Saturday, March 13, 2010

إنهم يترجلون فى صمت الأقاليم

تنادى أدباء مصر فى الأقاليم فى رحلة الصعود الواحد تلو الآخر. بغير موعد يرحلون وكأنهم يعدون العدة لحدث ثقافى جلل يضم كل أطياف الأدب من شعر وقصة ورواية وأدب طفل. أرادوا أن تشهد السماء تجمعهم طالما لم يطل بهم المقام لتشهده الأرض. كان لدمياط النصيب الأكبر فى عدد المشاركين فى رحلة الخلود لتفتتح رحلة الارتقاء بشاعر البسطاء محمد العتر فى نوفمبر من عام 2009 ويلحق به فى يناير 2010 الشاعر طه شتا، وفى فبراير الكاتب والمخرج المسرحى محمد الشربينى ومن المحلة الكبرى يلحق بهم قديس الكلمة ابن المحلة الكبرى فريد معوض، ثم زجال مدينة ادكو الكبير شعبان خميس.
كان الجميع على موعد لن نشهده ولن ننقل فعالياته، ولكنهم سيناقشون أعمال شاعر العامية محمد العتر صاحب دواوين « كلام للطين، صفحة من كتاب العشق، نغبشة، ترحال، الطالع» ولن يفوتهم أبدا نقد رواياته « سفر الموت، حارة النفيس، غيبوبة، باب الحرس.»، سيتخلص الجميع من عقدة العظمة التى تتلبس الكبير حين يصل إلى نقطة الضوء ليكون بينهم مكان للشاعر طه شتا الذى لم تعرفه أضواء العاصمة رغم أنه أعد بعض البرامج للقناة السادسة، وله العديد من الأغانى من تلحين الملحن توفيق فودة. وإن كان العتر وشتا شاركا بالشعر والرواية، فللمسرح نصيب الأسد على يد الكاتب المسرحى والناقد السينمائى محمد الشربينى، مؤسس مجلة آفاق المسرح .بمسرحياته» الجلوس خلف الأبواب، فتاة عادية، البيت فى ميدان الجيزة، أحلام، رمسيس يدق الجرس، صوت مصر، الجانب الآخر من النهار، حق اللجوء العاطفى، بل سيشارك بأعماله وسهراته التليفزيونية (يوميات مدينة على النيل 89، الأجيال 92)، (الخروج من الدائرة90)، (طريق الأحلام: 95)، (تدابير الدنيا 99)، (حكايات الحكماء 2002- للأطفال)، (الحياة على طريقة فلفل 86)، (أحلام عم سيد 87 ـ رحلة الخوف 88 )، ( شموع السعادة 89 ـ قطار الذكريات 95)، (بعد السقوط 92)، (الاستجابة 94)، (أغنية حزينة 94).

ومن المحلة الكبرى سيرتفع صوت فرع النيل الثالث، فريد معوض الذى عرفته انسانا متواضعا محبا للجميع. فريد معوض، ابن المحروسة الذى غرس أرضها صغيرا وعقول أولادها كبيرا . نشأ معوض متوحدا مع الأرض يزرعها لتعطيه أنواعا وأشكالا من الثمار المختلفة، فجاءت أعماله متنوعة ما بين القصة والرواية وأدب الطفل والسيناريو والحوار. اكتسب من الأرض البكر جودة الانتاج، فجاءت أعماله تتهافت عليها الجوائز المحلية والعربية اعترافا بجودتها، يحصل على جائزة سوزان مبارك أعوام (89 و90 و93)، وفى عام 2005 جائزة المحترفين عن كتابه «الأرض تعلمنا»، جائزة أبها الأولى على مستوى العالم العربى عن مجموعته «عم مرجان والحب الذى كان عام 1995، جائزة الشارقة للإبداع العربى عن مسرحيته للأطفال «الديك والدجاجة» عام1999، جائزة الاتحاد العام للفنانين العرب عن روايته «التبة المسحورة» عام 1996، جائزة يوسف السباعى الأولى فى مجال النقد الأدبى عام 2002، جائزة الهيئة العامة لقصور الثقافة بالمركز الأول لعدة سنوات عن رواياته «المرسى والأرض» و «أيام فى الأعظمية» و«أرض الهويس» وتختار منظمة الأمم المتحدة للأطفال «اليونيسيف» كتابيه «حكايتى مع الطائرة» و«نشيد الشمس» ليتم ترجمتهما للعديد من اللغات عام 1992 وغيرها من الجوائز. يترجل فريد معوض الكاتب الموسوعى الذى تنبأ باحتلال العراق فى روايته «أيام فى الأعظمية» والتى جذبت اهتمام الباحثين فى أكثر من عشرين دراسة.
وسيعلو صوت الزجل بين المحتفلين من الزجال شعبان خميس ممثل البحر والبحيرة فى رحلة الارتقاء من مدينة الماء والرمال، مدينة الغاز الطبيعى؛ إدكو .. فى ديوانه «تجليات وأنغام» ظهر اهتمامه بالبسطاء وبالقضايا الوطنية، كتب أيضا يرثى الراحلين من الشعراء، ولكنه لم يكن رثاء عاديا، بل كانت أزجاله تعريفا بأسماء توارت بفعل الزمن فلم تأخذ حقها من الاهتمام مثل الشاعر أحمد السمرة، وأحمد زيادة، وعم أبورواش والكمشوشى. ومن اللافت أن الراحل فى ديوانه الأخير اهتم بشهداء مصر الذين لم تذكرهم كتب التاريخ، يقول خميس فى مقدمة ديوانه «مواكب الخلود»: لم يذكر لنا التاريخ فى العصور المتعاقبة بعد فجر الاسلام إلا أسماء القادة الكبار الذين قادوا الجيوش.. أما الذين شاركوا فى هذه الحروب وماتوا شهداء من الجنود فلم يذكر لنا التاريخ شيئا عنهم ..» ولم يكن الحاج شعبان خميس زجالا فقط ، بل كان باحثا مجتهدا أثبت بالدليل أن من كان يمشى بجوار القمص سرجيوس فى مظاهرات 1919 ليس الشيخ على الغاياتى كما ذكرت صحيفة الأهرام عندما نشرت الصورة المتداولة للمظاهرات، لأن الشيخ الغاياتى كان موجودا وقتها فى منفاه بجنيف، أما من خرج مع المتظاهرين ممثلا للأزهر وبرفقة القمص سرجيوس هو الشيخ عبد الحليم قطيط؛ المحامى الشرعى وأستاذ الازهر والصحفى والشاعر الثورى والذى أصابته رصاصة فى المظاهرة ظل يعانى من آثارها ويرى موضعها لتلامذته.
تلك كانت نبذة وفاء لراحلين ترجلوا فى صمت.. بلا ضجيج.. فلينعموا بالراحة التى لم يجدوها بيننا.
انتصار عبد المنعم
مجلة أكتوبر 1741

1 comment:

Anonymous said...

great