Saturday, February 06, 2010

«رستم كيلانى» ورسالة الأديب النبى


لم تكن علاقة رستم كيلانى بأستاذه الرائد محمود تيمور مجرد علاقة تأثر بأسلوب الكتابة أو بالنمط الواقعى فى السرد، بل كانت استلهاما كاملا لفكرة واحدة دارت حولها مجمل أعماله القصصية التى طغى عليها الجانب الاجتماعى الإنسانى. فما بين الأستاذ والتلميذ إرث لا ينضب ولا يحيد عن رسالة الأدب التى كانت فى اعتقادهما هدفا أسمى ومطمحا يجب أن يسير عليه وفى هداه الأدباء والمثقفون. تتلمذ رستم كيلانى على يد تيمور وآمن مثله بأن للأدب رسالة اصلاحية عظيمة قبل أن يكون متعة للكاتب والقارئ لا يصلح معها سوى الواقعية فى التناول:«لقد عاهدت نفسى أن أسير على خطاه فى إحياء الأدب الإنسانى الثابت الذى نادى به فى مدرسته الفنية «الاتباعية» الأصيلة التى تؤمن بأن الأدب لابد أن يكون هادفا، وأن المجتمع الأخلاقى الذى يسير فى طريق البناء، إذا أراد الأديب أن يعبر عنه فنيا، فلا وسيلة له سوى (الواقعية الواضحة،الفاضلة،البناءة).وهكذا جاءت أعمال رستم كيلانى تحمل نزعة تقويمة إصلاحية مثل رسالة الأنبياء فى مجتمعاتهم التى أرسلوا إليها، وهذا ما قد يراها الحداثيون اليوم شيئا كلاسيكيا مملا بعد أن تشبعوا بسيل الكتابات المتنوعة فى أساليب السرد وفى موضوعاتها التى تعكس الظاهرة الاجتماعية كما هى بقسوتها وفجاجتها، بل أيضا بمفرداتها الغريبة المستحدثة. وكل هذا يغاير تماما العالم الكلاسيكى النظيف الطاهر الذى اهتم به كيلانى مركزا فيه على النهايات السعيدة التى تنتصر فيها دوما قيم الخير والجمال الفطرية فى الإنسان. كتب رستم القصة الإنسانية فى بساطة وسلاسة لتحمل مشاعره وأفكاره ككاتب يرى أن الكتابة فعل تطهر وتطهير وارشاد، وأن الكاتب ليس إلها يسكن الأبراج العاجية، بل هو كاتب انسان من لحم ودم يرى فى الآخر مهما بعدت المسافة بينهما انسانا يستحق الاحترام والاهتمام، وهذا ما تجلى فى أول معرفة لى برستم كيلانى أديبا وانسانا، ففى عام 1988، كانت مفاجأة غير متوقعة أن يحمل لى البريد مظروفا أنيقا به مجموعة «زوايا الحياة» لكاتب كبير مثله. تعجبت كيف يهتم،لا ليرسل ردا مقتضبا كغيره من الأدباء ساكنى صفحات الجرائد والمجلات وأغلفة اصداراتهم لا يتجاوزونها، بل ليرسل كتابا وعليه توقيعه واهداءً باسم فتاة صغيرة تعيش على ساحل البحر، فى مدينة نائية لم يكن اسمها قد ظهرعلى خارطة مصر؟ وعندما قرأت ما كتبه عنه الرائد الكبير محمود تيمور فى مقدمة المجموعة القصصية “زوايا الحياة” الصادرة عن دار المعارف، رابطا بين أعماله وشخصيته، أيقنت أنى أمام قامة كبيرة قلبا وقالبا :»... قصصه تتميز بشفافية تنم عن نفس خيرة تنطوى على كرم ونبالة وإشفاق.تقرأ له القصة، فتحس بأنها وجبة من غذاء فنى، غذاء صحى.. النغمة فى إنتاج رستم كيلانى القصصى نغمة هادئة، تهز ولا تزعج، وتؤثر ولا تثير..كأنها نسمات الأصيل إبان الربيع.. أدب رستم كيلانى هو مرآته.. فإذا رأيته عرفت ماذا هو قائل لك حين يكتب، وإذا قرأت له تمثل لك شخصه، كأنك تراه.فى أعماله مثل مجموعة “زوايا الحياة” كأنموذج، رصد كيلانى بعض المواقف والمشاكل الحياتية الانسانية الخالصة، وعبر عنها بسرد مباشر فى قمة الواقعية بعيدا عن الرمز الذى قد يعيق وصول رسالته الإصلاحية إلى المتلقى العادى الذى يتوقع أن يرى فى العمل الأدبى انعكاسا صريحا ومباشرا لما يحياه من متاعب واحباطات، ويأمل أن يرى على الورق - كما على شاشة السينما - انتصار الخيرعلى الشر فى النهاية، كتعويض وقتى وهمى يريح مَن يحزنهم رؤية الخير مهزوما فى الواقع المعاش وفى العالم المتخيل أيضا. لم يهتم كيلانى بعنصر الإدهاش القائم على المغايرة للمألوف الذى يميز مجمل الأعمال الأدبية الحديثة التى تدور فى تيه الحداثة بمشاكلها وارهاصاتها على كل الأصعدة. بحيث لم تعد الكتابة اليوم انعكاسا لشخصية الكاتب أو حياته هو، قدر ترجمتها للواقع الذى يعيشه الكاتب، وما قد يكون فى أحيان كثيرة مفروضا عليه قسرا.يكتب رستم كيلانى بعين تجول فى خبايا نفوس البشر وبقلم مخلص لأستاذه تيمور الذى أورثه منهجا أخلاقيا صاغ منه رسالته الأدبية المقدسة:(تعلمت أن الأدب فى أبسط تعريف هو التعبير عن الحياة. تعلمت أن الأديب إنما هو إنسان يجب أن يتحلى بالاخلاق قبل كل شىء‏.‏ تعلمت أن الكتابة شعور بالمسئولية،‏ ودراسة،‏ وأصول،‏ وعلم إلى جانب الموهبة الشخصية‏.‏ تعلمت أن الفن الصادق هو الفن الذى يجد له الناس على اختلاف ألوانهم،‏ وتفاوت مداركهم صدى فى الأفئدة.‏ وتجاوبا فى المشاعر‏.‏ تعلمت منه الدقة فى اختيار اللفظ المناسب،‏ وجمال العبارة،‏ وتناسق الجمل،‏ وكانت هذه الدقة من خير مزاياه،‏ وقد عرف بها‏.‏ تعلمت أن الكاتب لايكثر من الكتابة إكثاره من القراءة،‏ بل ولايقسم وقته بينهما بالسوية‏..‏ فإن إدمان القراءة للأعمال الفنية خليق أن يذكى حس الكاتب،‏ ويرهف ذوقه،‏ ويجلو كوامن مواهبه،‏ ويهز القلم فى يده‏.‏ تعلمت منه أن أحذر أن يهزنى الثناء إذا كُتب لبعض أعمالى التوفيق والنجاح حتى لا أظن أننى قد بلغت المني،‏ وفصل الخطاب،‏ وحتى لايذهب بى الغرور إلى أننى قد ودعت عهد التلمذة‏,‏ وغنيت عن الدرس والاضطلاع‏.‏ تعلمت أن الأديب الفنان مرآة للحياة،‏ مرآة للمجتمع،‏ مرآة للإنسانية فى محيطها الواسع،‏ وآفاقها الرحيبة‏. تعلمت أن الكاتب يجب أن يعيش فى قصصه ويتلبس بالشخصية التى أخذها لمعالجته‏.‏ تعلمت أن القصة عامل من عوامل التحبيب فى الخير،‏ والتنفير من الشر،‏ ولون من ألوان الدعوة إلى الحق،‏ والنهى عن الباطل‏.‏ تعلمت أن الأسلوب وسيلة لابلاغ الفكرة‏.‏ تعلمت منه أن الأدب رسالة اجتماعية،‏ فيجب أن يعكس صورة المجتمع الذى نعيش فيه‏.‏ تعلمت أن الكاتب إن وجد فى نفسه حرارة الاستجابة للكتابة فيكتب،‏ وإلا فأمسك‏.‏ ولايفرض على نفسه شيئا‏).هكذا كان الأستاذ، ولذلك فهذا هو التلميذ الذى قال عنه أستاذه:(أكبر ظنى أن رستم كيلانى فى كل مرة يعتزم فيها الكتابة، يبادر قبل أن يمسك بالقلم، فيتوضأ ويصلى ركعتين، ثم يقول:(اللهم إنى كاتب
انتصار عبد المنعم
مجلة أكتوبر العدد1737!).

Thursday, February 04, 2010

بدأت التدوين على الرمال قبل اختراع النت بزمان/جريدة القاهرة

انتصار عبد المنعم : بدأت التدوين علي الرمال قبل اختراع النت بزمان
انتصار عبد المنعم قاصة وصحفية صبورة ، مؤخرا أصدرت مجموعة قصصية بعنوان " عندما تستيقظ الأنثي " كما تكتب مقالا أسبوعيا في مجلة اكتوبر ، لكن مدونتها بعنوان "فتفوتة " تكاد تكون واجهة حقيقية لها كمبدعة وكاتبة ، انتصار كاتبة "بنت بحر " فهل مدونتها كذلك؟ لنري ..- فتفوتة مدونة عادية لكاتبة غير عادية .. لأنها تحمل كتاباتك ككاتبة في أكتوبر.. هل تصورك للمدونة كدولاب حفظ؟
- ليست دولابا للحفظ ، ولكنها وسيلة اضافية وأوسع للوصول إلي القارئ الذي ربما لا تتاح له فرصة الحصول علي المجلة ، كذلك القارئ الذي يهتم بالقراءة الإلكترونية التي تتيح له كل أعمال أي كاتب بنقرة واحدة علي الماوس. ولذلك أهتم بالنشر الإلكتروني مثلما الورقي وأحرص علي وضع الكثير مما أكتبه في أكتوبر أو الثقافة الجديدة ، وبالطبع ما يتم نشره خارج نطاق الصحف المصرية من دوريات أو مطبوعات يصعب الحصول عليها لارتفاع ثمنها أحيانا ، أوقلة الأعداد التي تصل إلي القارئ المصري.
-أنت سكندرية حتي النخاع .. تعشقين البحر حريةً وانطلاقا وفضاءً بلا حدود.. ورغم ذلك رأيت المدونة ملتزمة جدا ، لم أجد فيها حتي لون البحر ، ولا جنون اللوحات المصاحبة ، ولا حرية الحديث عن الذات .. لماذا هذا التحجب الإلكتروني؟
- معك حق ولكن هذا نتيجة أن ما أنشره فيها عبارة عن رؤي وقراءات نقدية لأعمال أدبية أو ظواهر ثقافية ، ولكن في المقابل تجد داخل المقال الجاد شكلا بعض سمات "المشاغبة" أو لنقل "شقاوة "اللعب بالكلمات والعبارات المبطنة بالسخرية من أجل تمرير المقصود دون ملل المباشرة وأضرب لك مثالا ، جاء عرضي لمجموعة الأستاذ سمير الفيل "صندل أحمر" جاءت تحت عنوان "صندل أحمر ديوان الصـــُرم"، ومقال "أدباء العرب وثقافة الأقدام "وغيرهما.
- علي قدر متابعتي الضعيفة .. أجد الكتاب الأوربيين يتخذون المدونة للكتابات غير المجنسة ، والأفكار المبتسرة ، والشطحات وانفلاتات القلم .. ما حكمك علي التدوين الأدبي العربي بشكل خاص؟
- جاء التدوين الأدبي العربي وازدهر علي يد الشباب الذين لم يجدوا فرص النشر الورقي ، ووجدوا أن النت هو وسيلة لكسر الاحتكار ، ومن هؤلاء مجموعة كبيرة مستواها جيد بالفعل ، ولكن هناك الكثير ممن يطلق علي نفسه الكاتب والشاعر وعندما تقرأ ما هو مكتوب لا تجد غير عبارات منمقة في الغرام والحب . ولا ننسي أيضا أن كبار الأدباء انتبهوا للتدوين كوسيلة اضافية لتوسيع قاعدة الشهرة عن طريق إعادة نشر ما يكتبونه، وللترويج لأعمالهم ، وتوجيه الدعوات لحضور حفلات التوقيع لأعمالهم الجديدة .وكل هذا ليس بتفاعل حقيقي فلا مجال لحوار جاد أو حتي للتعبير عن الرؤي في كل ما يستجد في الحياة ، حتي ما يحدث في الفيس بوك يظل كلمات متطايرة يجامل بها الأديب القارئ ثم ينتهي الأمر .
- أقسمت بالمرسي أبي العباس أنك تحبين المواقع أحـمــد سـمـاحـة*بلا حدود، بوح البعاد/محمد حسني ، نقطة ومن أول السطر .. أليس في حركة التدوين العربية الهائلة ما يستحق بجوار هذه المدونات الثلاث؟
- بالتأكيد هناك الكثير ولكن كل واحدة من هذه المدونات تمثل لي رافدا مختلفا أعتز به ، فمدونة الناقد الكبير الدكتور أحمد سماحة بمثابة الجامعة التي استقيت منها الكثير مما أعرف حتي قبل معرفتي بصاحبها شخصيا، فالمدونة بالفعل "بلا حدود" فهي تحتوي علي كل فروع الثقافة والأدب والمعرفة الجادة . ومدونة بوح البعاد مدونة شاعر العامية محمد حسني والتي أزورها لاعجابي بكتاباته ، ومدونة نقطة ومن أول السطر مدونة الشاعر الشاب محمد عزالدين الذي جذبني لأقرأ له ديوانه" شنطة وضبة ومفتاح" والذي قرأت أغلبه علي مدونته.
- لم أجد للشعر مكانا في مدونتك إلا قليلا .. لم هذا الخصام؟
- معك حق أيضا في هذا ، فقد كتبت عن ديوانين للشعر فقط ، ديوان "مشهد ليلي" ، وديوان "ألم المسيح ردائي" ولكن ربما يرجع ذلك لاهتمامي الأساسي بالقصة والرواية ، ولكن ليس علي سبيل الخصام ،أنا نفسي بدأت بكتابة الشعر قبل أن أكتب القصة والرواية .
-نشرت كثيرا من إبداعاتك علي المدونة ، رغم أنها منشورة ورقيا بأكثر من صيغة وشكل ومكان.. هل تم حل المشكلة لديك بين الورقي والافتراضي الإنترنتي؟ وهل تضعين إبداعك علي الإنترنت قبل نشره ورقيا؟
- قبل النشر الورقي بدأت كغيري من المدونين بالنشر الرقمي علي المدونة والمواقع الأدبية الجادة ، ونشرت الكثير مما تضمنته مجموعتي القصصية الأولي"عندما تستيقظ الأنثي" علي المدونة قبل النشر الورقي . ولكن الصورة ليست وردية دوما ، فقد تعرضت للسرقة ليس للأعمال المنشورة رقميا فقط ،بل للأعمال المنشورة الورقية وأحيانا بصورة مضحكة وساذجة ،سأضرب لك مثالا حديثا، موقع مجهول الهوية يقوم علي إعادة نشر المقالات المنشورة في الصحف اسمه "المقتطف الاعلامي" دأب علي اعادة نشر مقالي الاسبوعي ثم فجأة قرروا أن يغيروا اسمي من "انتصار عبد المنعم" إلي انتصار عبد الفتاح ، واستمروا في هذا علي الرغم من أني أوضحت لهم في تعليق الخطأ ولكن لا حياة لمن تنادي
- متي بدأت التدوين ومتي تتركينه؟
بدأت التدوين قبل أن يكون هناك اختراع اسمه نت ومدونات ،بدأته علي الرمال الصفراء الناعمة في حديقة منزلنا الكبير ؛نعم لا تتعجب كنت أخط علي الرمال كلاما ورسومات لا تحدها حواجز صفحة كراسة الرسم كطريقة لممارسة حرية الكتابة في المكان والوقت الذي أريد ، لم أكن أعترف حتي بحدود صفحة كراسة الرسم التي وجدتها كحدود بلداننا العربية المصطنعة ، كان هذا قبل أن ادرك أن هناك وفي المستقبل البعيد ستتحول الرمال الناعمة إلي شبكة نت لها غواية الحية الملساء ولدغة العقرب السام ، واشتهاء المن والسلوي . ولن أترك التدوين إلا حين أعود في النهاية لمكاني تحت الرمال الصفراء نفسها لتشهد نهاية التدوين كما شهدت بدايته .
-لك اهتمام كبير بالنشر الإلكتروني ، والقراءة عبر الكمبيوتر ، وغيره من قضايا النشر الجديدة المؤرقة لنا كعرب .. هل صحفنا العربية واعية لهذه المتغيرات؟
- جاء الوعي متأخرا وبصورة مجتزكة لا تتجاوز تحقيقًا صحفيا أو استعراضًا لاحصائيات من نوع ما ، اقصد أن الاهتمام دوما يأتي بصورة عرضية وعلي طريقة الفرقعة أو الشو ، مثلا أن تتحول موضوعات مدونة إلي كتاب ، أو أن يكتب مدون مقالا في صحيفة وهذا كل ما في الأمر . مع ان الموضوع كبير جدا ومعقد ، فهناك علي النت الكثير مما يغني عن شراء العديد من الصحف والمجلات وفي نفس الوقت يعطي الكثير والكثير في وقت أقل وبأقل التكلفة ودون مضيعة للوقت في البحث عن شئ في صحيفة تموج بأشياء لا تقع في دائرة الاهتمام الفعلي للقارئ.
بقلم : إبراهيم محمد حمزة
جريدة القاهرة