Sunday, August 30, 2009

مقامـــات العشـــق في ديوان


مقامات العشق في ديوان
أجمل الشعر ما ارتبط بالوجدان ،ولا أبلغ من الشعر المستلهم من الحس الصوفي في التعبير والكتابة حيث تتماهى كل المعاني في مفهوم العشق كطريق يعبر به المريد ويرتقي من مقام إلى آخر أملا في الوصول إلى سدرة منتهاه وكل مشتهاه. وتتجلى تلك المعاني بوضوح في ديوان"ألم المسيح ردائي" للشاعرة فواغي القاسمي ،وهي شاعرة إماراتية تكتب القصيدة العمودية والتفعيلة والشعر الحر، لها مسرحيتان شعريتان"ملحمة عين اليقين" و"الأخطبوط "، و"أي ظل يتبعني" مختارات شعرية،و (موائد الحنين) ديوان . وتم عرض أعمالها المسرحية على مسرح دار الأوبرا المصرية .
تناولت في ديوانها ( ألم المسيح ردائي ) كل صنوف العشق بمفهومه الصوفي الذي يهدف إلى التغلب على الغربة التي يعانيها المريد منذ غربته الأولى عند خروجه من الجنة والنزول إلى الأرض،تلك الغربة التي أشار إليها ابن عربي بقوله :"إن أول غربة اغتربناها وجودا حسيا عن وطننا، غربتنا عن وطن القبضة عند الإشهاد بالربوبية لله علينا، ثم عمرنا بطون الأمهات فكانت الأرحام وطننا فاغتربنا عنها بالولادة"
في الديوان تتجلى نظرة الشاعرة للحب على أنه انعتاق الروح لتتحد مع المعشوق سواء كان رب العالمين الذي يمثل لها الحب اليقين وهو مهربها حين تشتد عليها الخطوب ، أو مع الوطن الذي تخبئه في حنايا روحها ، أو هذا المكان الذي مرت به وتركت به جزءا من ذكرياتها ، أو ذاك الرجل الذي أودعته قلبها العاشق الأنثوي، فثورة القلب حين يحب أليفه هي تماما ثورته من أجل حرية وطنه حين تُسلب منه قطعة لتصبح جرحا لا يندمل أبدا. جاء مفهوم العشق في الديوان كشئ أزلي يلف الواجد والموجود، فلا حواجز ولامكان ولا زمان، بل مقامات تتجاوزها أملا في الوصول . بدأت الشاعرة بالحب الأبدي السرمدي الذي يربط النقطة بالمحيط ، الذي يعيد الروح لتستقر عند منبع تكوينها ، الذي يعيد شعاع النور لمركز النور فيفيض ويشرق على الكون ، هذا هو الحب اليقين الذي تلوذ به في بداية ديوانها تطلب السلام " تسابيح القرب" ( أنت سبحانك لا تحصى بأعداد هباتك/ اجعل الكون سلاما لعباد هم تقاتك). وعندما يفيض عليها وعلى الكون سلاما تمسك قيثارة العشق والجوى تعزف أولى قصائد الحب الأزلي" ترنيمة عشق إلهية" (إلهي لقربك تشتاق نفسي / فقربك وصل ووصلك أنسي/ونورك وهج يضيء دروبي / يبدد خوفي وحزني ويأسي) .بل أنها تعاتب العلماء الذين يتدخلون في علاقة المريد بربه فجعلوا أنفسهم رقباء حتى على دعوات المحب لحبيبه في خلوته السرمدية حين لا يعي اللسان ما يلهج به؛
(علماؤنا يفتون بالتكفير/والتجريم.. والتحريم/ديدنهم ، كما دوما هم/سرد المآثم والوعيد/وكل ألوان العذاب/ويقينهم حتى الدعاء لبعضنا/بالنصر في ردع الأعادي/عن حياض ديارنا/كفر بدين محمد/يا للعجاب!!)
و تتناول الوطن وعلاقتها الوشيجة به خاصة عندما تتحدث عن جزء محتل "جف اليراع" و"طنب الجريحة" بل يتجلى الحس القومي عندما تتحدث عن فرقة الأمة العربية "قمم الضجيج".
و تظهر فيها حواء الرمز ، تظهر فيها المرأة العاشقة لآدم الرجل، تعشق كأنثى تهفو لصدر حبيب تأوي إليه روحها المشبعة بذرات الحب ، فتأتني بعض القصائد التي تشير لأدم الرجل في خفر العذارى، وبعضها تشير إلى المعشوق في المطلق دون افصاح جلي مثل "يا عذابي من غرامي"، و"شوق ولهيب"، و"غرام وشجون"، و"ما على الدهر ملام"، و"أرق الزمان لصبوتي"، و"محاكاة"، و"سلام سلام"، و"كم ليل العاشق ممتد!"، و"نجم العشاق.. حنانيك بمهجتي"، و"أعد لي قلبي يا سارقه"، و"عهود الغرام"، و"دع انعكاسك في ذاتي"، و"لا تسلني من أكون"، و"خلب الغرام جنانا"، و"زائري في ليلة صيف".
وتمضي فواغي عشقا و يقترن حبها لكل ما في الكون بألم يلفها روحا وجسدا ، هذا الألم الذي يغلفها كرداء لا تستطع الفكاك منه ( ألم المسيح ردائي) ، و تتقلب في الألم وهي ترى شماتة الفرحين بعذاباتها ، وتجور عليها نائبات الزمان فتستشعرها غصة في حلقها ؛ ( شيئان لا يقوى العزيزعليهما ...ظلم القريب وغربة الأوطان ِ/ما بال هذا الدهـر يثقل كاهلي... بكليهما و بقسـوة البهتانِ)
وتكثر المحن وتحيط بها ولكنها لا تستسلم بل تقاوم وإن كانت تلك المقاومة هي تلبس للعذاب :(فصنعت من جور الزمان قلادتي/ونسجت من ألم المسيح ردائي).
يظهر في الديوان التجانس بين المفردات المستخدمة والإيقاع السائد في القصائد ، نستشعر ذلك في التناغم الذي يتجلى كعزف سينفونية واحدة تعلو حينا وتهدأ حينا آخر ، فهي تسير ناعمة في حالة الوجد الصوفي ثم تثور وهي تتحدث عن الوطن السليب، وبين هذا وذاك ايقاع مختلط يتناسب مع موضوع كل قصيدة .
ربما نبع هذا التناغم من تنوع الأوزان التي استخدمتها الشاعرة التي تنقلت بين الرمل والكامل والمتقارب والبسيط والمتدارك والوافر ، وأيضا اسلوبها البسيط غير المتكلف في التعبير ونحت صورها الشعرية الخاصة بها والتي تسير على نفس النهج الروحي الصوفي من أجل الترقي إلى حيث مصدر النور السرمدي
مجلة أكتوبر العدد1714

Thursday, August 27, 2009

"ســري الصغيــر" محاولة لاستعادة العمر المسروق.


بعد أن أصدر مجموعته القصصية الأخيرة " سري الصغير" قال الروائي مكاوي سعيد أنه كتب قصصها في فترات متقطعة تخللت كتابته لرواية "تغريدة البجعة" .
ولذلك جاءت قصص المجموعة كفترات استراحة يمنحها لنفسه كي يلتقط أنفاسه مسترجعا و مستوحيا فيها مرحلة الطفولة ليخلق نوعا من التوازن يواجه به هذا العالم المكتظ بالمشاكل والذي تناوله في روايته الأخيرة .
وإن كانت المجموعة تحمل اسم "سري الصغير" ، إلا أنها لم تتضمن سرا واحدا صغيرا ،بل جاءت تحمل أسرارا متفاوتة ومتنوعة لشخصيات لاذ بها السارد كي يقاوم استلاب مرحلة الطفولة الحافلة بأحداث وأشخاص يتحدث عنهم بحنين يرمم به الفجوة الفاصلة بين مرحلة الكهولة والشيخوخة ، حين لا يجد الانسان أمامه غير الارتداد إلى مرحلة بعيدة تصرف ذهنه عن حقيقة العمر المسلوب . أراد الكاتب العودة إلى المرحلة التي من الممكن أن يبدأ منها أي انسان بداية جديدة ولا يشعر معها "أن العمر سرقني"كما قال مكاوي نفسه .اختار الكاتب الشكل القصصي البسيط لسرد حكاياه في اسلوب سلس يتماشى مع عمر السارد. وجاءت أغلب قصص المجموعة بضمير المتكلم على لسان السارد في مرحلة الطفولة و مرحلة المراهقة لتتداعى ذكريات مرحلة الطفولة بأحلامها الصغيرة ورؤيتها الخاصة لأمور قد يراها الكبار تافهة لا تستحق التوقف أو الإلتفات إليها .
في كل قصة سر من نوع ما ، ولكن من الممكن وضع كل الأسرار ضمن قائمتين ، واحدة خاصة بأسرار الصغار وأخرى بأسرار الكبار . جاءت أسرار الطفولة بسيطة بريئة مسالمة لا تتجاوز خطابا عاطفيا لابنة الجيران ، أو رغبة صبيانية لمراقبة راقصة ، أو مراقبة فتاة من نافذة .
وعلى النقيض نجد أسرار الكبار بعقدها وتأزماتها والتي تكشف زيف الكبار واجادتهم فن اخفاء عيوب الداخل أو الجوهر ببريق المظهر كما في قصص"السني ،و غرفة لم يدخلها رجل" .
وفي قصة "المهرج " كان السر مرض مميت لا تعلمه المريضة ، وفي " يوم فاصل في حياة فخري كامل، و "انشراح" تتجلى أسرار الكبار المترعة بالظلم والزيف والألم .
ومن اللافت في قصص "أخت حبيبتي"و"تلصص " أنه يسرد فيهما عمرا كاملا مرعلى الجميع ، يحكي السارد بلسان مراهق في السادسة عشر ،حبيبته كبرت وتزوجت وأخت حبيبته ماتت ، ولكنه لا يعترف بالعمر الذي مر عليه هو نفسه ،يتمسك بمراقبة عوالم الآخرين راصدا ما فيها بعين الطفل الذي لا يكبر في الوقت الذي تكبر فيه كل شخوصه وتأخذ خطها المرسوم في الحياة.
وفي "الشال الأبيض الحرير والشال الأسود الصوف" سيرة حياة كاملة مابين بياض الطفولة وارتباطها في ذهنه ببعض الأحداث والتي انتهت مع دفن أخيه الطفل في الشال الأبيض لتبدأ رحلة المعاناة في المدرسة والحياة .الشال الأبيض الحريري المزخرف الذي كفن فيه الأب طفله الذي لم يتجاوز العام من عمره ، يليق برحلة الموت البيضاء بعيدا عن هموم الحياة وأرقها ، يدفن الشال الأبيض فيتعرى عنق الأب يتلقى عليه صفعات الخطوب التالية والتي ستورثه شالا من الصوف الأسود يليق بسحب المعاناة والقهر التي ستغيم علي حياتهم فيما بعد . وعندما مرض الطفل السارد،أحاطه الأب بالشال الأسود الذي تفوح منه رائحة عرقه ؛ قمة التراجيديا ، يكفن الميت في الحرير الأبيض ، والطفل الحي يكفن في الأسود لتعود إليه الحياة ،وقد عادت بالفعل لتكون المكافأة ثمرة من فاكهة القشطة التي ترمز في تكوينها إلى تعانق الموت والحياة ، بياض شاهق يضم سواد قاتما . فما يؤكل منها فصوصها البيضاء الشهية ،ولكن عليك التخلص من البذور السوداء المختبئة في رحم تلك الفصوص أولا . رحلة حياة كاملة لم يتخل فيها السارد عن مفرداته البسيطة التي وإن كان يستدعي تلك الذكريات بعد أن تقدم في العمر ، إلا أنه يصر على تقديمها من خلال نظرة هذا الطفل أو المراهق الذي لا يفهم ما يجري حوله من طقوس للموت أو للحياة . لا يعترف أن استلاب العمر شيء قاس لا يمكن تداركه إلا بتلك الطريقة المراوغة التي اتبعها الكاتب عندما أخذ قرارا مصيريا بأن يقاوم كل هذا الاستلاب باستدعاء تلك المرحلة على الورق .
وفي قصة " عم حسن الذي لا يبيع ولا يشتري" يظهر السارد أكبر سنا من خلال الوصف الدقيق للفضاء المكاني الذي تمر عليه أحداث القصة ليتجلى مكاوي سعيد كاتب السيناريو. في هذه القصة سيناريو كامل للمشهد وكل ركن فيه ، يصف بالتفصيل المكان والشخصيات الرئيسية . ويهتم اهتماما كليا بالخلفية المصاحبة من أصوات وصور ، يصف طريقة سير الرجل العجوز ونظارته وتعبيرات وجهه ، يصف الشارع والتغييرات التي طرأت عليه ، يعطي وصفا تفصيليا للمحل وخطوط العنكبوت به والتليفون العتيق وعلب اللبن الفارغة والأرغفة السوداء، يصف الأولاد بصخبهم عند الإنصراف من المدرسة وكيفية انتظامهم في صفوف من أجل اغاظة العم حسن العجوز، ويحدد طريقة دخولهم إلى فضاء القصة المكاني والزماني وترتيب دخولهم وخروجهم ، ولا ينسى حركة السيارات في الشارع والأصوات الصاخبة .
وتأتي قصة "عالمي وعالمها " لتغلق دائرة تداعي الذكريات والحنين إلى الماضي ، هنا كبر السارد رغما عنه واستسلم لحقيقة استلاب العمر عندما واجه الحاضر الذي لا يعترف إلا بشهادة الميلاد الرسمية لا تلك المجمدة في أذهاننا عند لحظة فائتة .فلا مجال لتقابل عالمين مختلفين تماما مثلما لا مجال الآن لسيارة الفولكس العتيقة أمام الرولزرويس.
ورغم كل الاسرار التي أفشاها مكاوي سعيد في مجموعته هذه إلا أنه تركنا أمام السر الأكبر ؛وأقصد هذا الإهداء الذي جعله اعترافا بحبه لرفيقة دربه الطويل !!!
مجلة أكتوبر العدد1711

Saturday, August 22, 2009

علاء الأسواني ودوق داركور!!


علاء الأسواني ودوق داركور!!

تُرى ما أهمية التنويه عن المقدمة الجديدة على غلاف تلك الطبعة من كتاب علاء الأسواني"نيران صديقة" والذي ضم رواية قصيرة ومجموعة قصص؟هل ستمثل المقدمة عاملا اضافياً لرواج الكتاب الذي يتصدره اسم علاء الأسواني الغني عن الدعاية والتعريف؟
هل أُريد من التنويه عن المقدمة الجديدة أن تكون حافزا للقارئ كي يقرأ ويكتشف ما الذي دفع الكاتب ليفصل ماذكره مجملا في المقدمة السابقة والمدرجة أيضا في نفس الطبعة؟.
جاءت المقدمة الجديدة في ثلاثة أجزاء بدأها علاء الأسواني تماما كما بدأ رواية شكاجو من قبل، فهو بدأ شيكاجو بمقدمه سردية تاريخية عن أصل كلمة شيكاجو وذكر شيئا عن تاريخ المدينة كتوطئة للفضاء المكاني الذي ستدور عليه روايته . وفي مجموعته "نيران صديقة"بدأ بتاريخ وملابسات أول عرض سينيمائي في العالم وفي مصر ليوضح كيف مر وقت ليس بالقصير ليدرك المشاهد أن ما يراه أمامه معروضا لا يتعدى كونه صورة معكوسة على شاشة من قماش ، ليربط بين محاولة الالتباس التي كانت في ذهن المشاهد وقتها ، وحالة الالتباس التي تتولد في ذهن القارئ للأعمال الأدبية حين يسقط أحداثها على الكاتب نفسه وهذا ما أوضحه الأسواني بقوله "..لكن بعض قراء الأدب لا زالوا بكل أسف ،حتى اليوم ،يمارسون نفس الخلط بين الخيال والواقع ...هذه المشكلة عانيت منها كما عانى روائيون كثيرون.."
اشتمل الجزء الثاني والثالث من المقدمة على تاريخ شخصي لفترة من حياة الكاتب بعد عودته من بعثتة الدراسية في الولايات المتحدة في أواخر الثمانينات وبعض اللقطات من حياته كطبيب للأسنان نهارا ، ومن حياته الليلية كأديب أو ما أطلق عليها ""حياة الأديب الحرة المتخلصة تماما من كل القيود الاجتماعية والأحكام المسبقة ".
يعرفنا على محمود تريبل ؛الشخصية الحقيقية لبطل روايته "أوراق عصام عبد العاطي" ثم معاناته مع موظف لجنة القراءة الذي طلب منه كتابة استنكار للأفكار الواردة في روايته، والآخر الذي طلب حذف فصلين من الرواية .وفي نهاية المقدمة المفصلة والتوضيحية يقول الأسواني :
"هذا تاريخ الرواية التي بين يديك ،أحببت أن تعرفه قبل أن تبدأ القراءة ، وأنا واثق أن معظم القراء سيتفهمون أن الشخصيات الأدبية تمتلك وجودا مستقلا عن المؤلف ..أما الذين سيحاسبونني على آراء البطل ويعتبرونني مسئولا عنها ..فسوف أكرر عليهم باحترام ماقاله صاحب السينما الايطالي ديللو استرولو جويوما للمشاهدين :هذه الشاشة ليست سوى قطعة من القماش تنعكس عليها الصور......"
بعد مقدمة كتلك يحق لنا أن نسأل عما أضافته لنا كقراء وهل أثرت الطبعة الجديدة بالفعل؟
فعلاء الأسواني الذي يسخر من كتابته لاستنكار تلبية لطلب موظف لجنة القراءة في الماضي ، يعود اليوم وبكامل ارادته ليكتب صيغة بالغة الأناقة يتبرأ فيها من أفكار عصام عبد العاطي ،آخذا دور الأستاذ المعلم في توجيه القارئ الغبي الذي يمارس حقه الطبيعي في التوهم والتخيل والاسقاط لأي عمل أدبي .وبهذه المقدمة التعليمية الارشادية ، قطع علينا الكاتب متعة التخيل التي يعطيها الأدب بمحاكته للواقع مازجا إياه بالخيال ، لقد حرم القارئ فرصة التوهم اللذيذ الذي أشار إليه نفسه بقوله في المقدمة" إن جزءا كبيرا من متعة الأدب يرجع إلى أنه يمنحنا سلطة الخيال ،إننا نستمتع بتخيل أحداث الرواية وشخصياتها كما يحلو لنا وهذا التخيل لا يحدث بدون الإيهام".
وبذلك جاءت المقدمة كورقة أخيرة أنهت اللعبة مبكرا جدا وقطعت طريق الفكر لدى القارئ والذي من المفترض أن يكون حرا في تأويله لما يقرأ .فطالما خرج العمل الأدبي من بين يدي المؤلف وتم نشره ،فلا سلطان له بعد ذلك ليمارسه على المتلقي. أما علاء الأسواني فقد فعل تماما مثلما يفعل منتجو الأجهزة الكهربائية حين يرفقون كتيب الارشادات مع منتجاتهم موضحين طرق الاستخدام ، محذرين من الاستخدام الخاطئ وما يسببه من ضرر.
ثم تجيئ الرواية نفسها والتي بدأها الأسواني بشئ من التفكيك أو الهدم لمقولة مصطفى كامل كمثال للمسلمات والأفكار المقولبة سابقة التجهيز . أي وكأنه يقول للقارئ اخلع عنك أفكارك السابقة ، فأنت في حقبة جديدة لا ينفع معها المقولات السابقة ولا القالب الواحد الذي يجب أن نكون جميعا على نفس مقاسه .أي أن الرواية بدأت من نقطة اللاعودة أو من النهاية فعلا لتبدأ بعدها نقطة خروج العفاريت الصغيرة .
وإذا ما قرأنا الجزء الأول للرواية نتذكر على الفور دوق داركور الفرنسي الذي زار مصر ذات شتاء كتب بعده كتابا عام 1893هاجم فيه مصر شعبا وعادات ودين وكل شيء ،هذا الكتاب الذي استفز قاسم أمين وألزمه الفراش عشرة أيام قام بعدها ليكتب بالفرنسية كتابا يرد فيه على آراء دوق داركور ويفندها واحدا تلو الآخر. يتحدث عصام عبد العاطي بلسان دوق داركور ، ويجيء دفاع صديقته الألمانية-المتوهمة - كمتحدثة بلسان قاسم أمين وهي تتحدث بافتتان عن مصر.فهل هناك مغزى من تناص الرؤى ما بين دوق داركور وما جاء في الرواية ؟؟؟ فدوق داركور كتب عن مصر بعد زيارة لها، وكتب علاء الأسواني "أوراق عصام عبد العاطي"بعد عودته من الولايات المتحدة .
وكما هو معروف أن عنوان أي عمل أدبي يمثل أهمية كوحدة نصية موازية للعمل الأدبي يأتي عن وعي الكاتب بأهميته كعتبة أولى لعمله الأدبي ، وفي كون العنوان أول ما يرى القارئ وآخر ما يكتب الكاتب .
ولذلك إذا أرجعنا العنوان "نيران صديقة"كدلالة ما يريدها الكاتب ،خاصة أن العنوان لا تحمله أي من الأعمال المدرجة بالكتاب، نجد أن علاء الأسواني بالعنوان يشير إلى القسم الأول من روايته وكأنه تحذير لطيف يقول فيه لا تخشوا شيئا فالنيران التي سأفتحها عليكم بعد قليل هي نيران محلية الصنع ،وطنية المنشأ ،فهي نيران صديقة ليست أجنبية مثل نيران الدوق الفرنسي . فمن غير المقبول أن يأتي النقد من غربي مثل الدوق الذي لم ير غير الأطفال "ذوي الأطراف الهشة " و"البطون المتكورة" ولكن أوراق عصام عبد العاطي مصرية مائة بالمائة فلا ضير إذا .وعندما يقول عصام عبد العاطي " كان الفراعنة أمة عظيمة حقا ولكن ما علاقتنا نحن بهم؟ نحن نتاج مشوش فاسد لاختلاط جنود الفاتحين بالسبايا من الرعايا المهزومة" ، يتبادر إلى ذهننا فورا مقولة الدوق الذي رد عليه قاسم أمين قائلا" ..ومن المؤكد أن المصريين المسلمين الذين نراهم في المدن وخاصة في الريف ،ليسوا من نسل العرب ،وليسوا عربا إلا باللغة والدين ..."
وكلما قرانا نجد تناصا فكريا يكاد يكون كاملا بين "عصام عبد العاطي" وما كتبه دوق داركور ورد عليه قاسم أمين في كتاب "المصريون "بالفرنسية عام1894. أما عصام عبد العاطي فقد عاقبه علاء الأسواني بالجنون كرد عاقل على تمرده على ثقافة النسخة الواحدة المكررة للأفكار سابقة التجهيز

مجلة أكتوبر العدد1713 .

Saturday, August 15, 2009

"الصرخة"مابين كرم النجار وأم الرجال!!

"الصرخة"مابين كرم النجار وأم الرجال!!

حينما سألوها أيهما أهون ، العمى أم الصمم ، أجابت هيلين كيلر:العمى أهون لأنه يفصلني عن الأشياء ،أما الصمم فيفصلني عن الناس وهذا هو الجحيم.
منذ سنوات عديدة وبالتحديد في عام 1992 شاهدنا فيلم "الصرخة" من تأليف كرم النجارالذي تناول فيه عالم الصم والبكم الذي كنا نجهله تماما .تابعنا بشغف نور الشريف وهو يجسد ببراعة شديدة شخصية عمر الشاب الأصم الأبكم الذي يواجه ظلم المجتمع من حوله الذي لا يعترف بذوي الاحتياجات الخاصة . دمعت عيوننا ونحن نراه وغيره من المعاقين يقعون ضحايا الاستغلال بشتى أنواعه ولا يستطيعون ترجمة ما يشعرون به باللغة المنطوقة ، وإن حاولوا استخدام لغة الإشارة ، لا يفهمهم أحد ،وفي أحيان كثيرة يقعون ضحية الترجمة الخاطئة من الوسيط الذي يحيل الاشارات إلى حديث مسموع .ولكن عندما قرر البطل الأصم الانتقام لنفسه ولزملائه تحول تعاطفنا معه إلى خوف وتوجس ،ونسينا على الفور أنه كان ضحية لعوامل عديدة تحالفت ضده من إعاقة وظروف مجتمعية لم تكن مؤهلة لدمجه وأمثاله في المجتمع .وفي النهاية عندما حقق البطل انتقامه و أطلق صرخته الأخيرة معلنا انتصاره ، شعرنا بالرعب و انتهى الفيلم بعد أن ملأنا خوفا منهم وزادنا ابتعادا عنهم ونفورا على عكس ما أراده المؤلف والمخرج .
وتمر السنوات وتأتي "أم الرجال" لتتناول نفس العالم ، عالم الصم والبكم .تقدمه لنا بصورة متكاملة بآماله وآلامه . تقدم لنا صرخة من نوع خاص ، صرخة أمل ينبع من عالم تعلمه جيدا ،فهي أم لرجلين من هذا العالم ، أحمد وكريم، وأم لمئات آخرين شملتهم بالعناية والرعاية والتواصل .
أم الرجال هي سهير عبد الحفيظ عمر التي حولت محنتها كأم إلى منحة لها ولأولادها في عالم الهدوء والسكون الجبري .حصلت أم الرجال على الماجستير في الصحة النفسية عن أمهات فاقدي السمع وشاركت في العديد من المؤتمرات واللقاءات المعنية بأمر الإعاقة.
في كتابها "قلوب تفيض" عرفتنا أم الرجال على نماذج واقعية من هذا العالم الصامت ،نماذج لم يكن لديها مخرج سينمائي يملي عليهم أدوارهم في الحياة ، ولم تكن أمامهم أضواء وكاميرات واهتمام اعلامي . جميعهم قاموا بأدوارهم بأنفسهم دون الحاجة لدوبلير يؤدي عنهم لحظات كثيرة من المعاناة والألم وظروف عديدة تواطأت ضدهم تريد ذبح آمالهم وطموحاتهم ، هم ببساطة قاموا بكل شيء كصرخة جماعية يعلنون فيها الانتصار على الإعاقة ، يعلنون تصالحهم مع الحياة والمجتمع .تحكي لنا معاناتاهم مع الحياة منذ الميلاد وكيف تكيفوا مع الواقع الذي لا مجال لتغييره .القلوب التي تحدثت عنها أم الرجال لم تستغل الإعاقة كمسوغ للحقد على المجتمع ، بل كانت قلوب تفيض بحب الحياة لأن الاعاقة لم تكن في أرواحهم ولا في قلوبهم البيضاء الخالدة، بل كانت اعاقة في جزء من الجسد الذي وإن طال بقاؤه فسيبلى يوما .
تضعنا أم الرجال أمام مأزق نفسي لنسأل معاقون أم معافون؟؟فنحن بأطرافنا المكتملة وألسنتنا التي لا تكف عن الحركة وبآذاننا التي تعمل ليل نهار نتعلل بالظروف والحر والبرد لنبررعجزنا وتخاذلنا أمام مشكلات عارضة ،فمن منا المعاق ؟؟
النماذج التي تناولتها في كتابها عانت الإعاقة وكل الظروف المعيقة لهم ولكنهم لم يفعلوا مثل الكثيرين منا الذين يفتشون عن شئ يلقون عليه اللوم ،ولم يفعلوا مثل بطل فيلم الصرخة الذي قرر الانتقام من المجتمع ، بل قرروا التغلب على الإعاقة نفسها . تحدثنا أم الرجال عن نماذج تنتمي لعالم الهدوء والسكون ؛عالم الصم ، نتعرف على المهندس تامربهاء الدين أنيس وكيف جاءت على يديه فكرة الجمعية الأهلية للصم والبكم ، وعن أمل عضو هيئة التدريس في المعهد العالي للفنون التطبيقية ،تعرفنا على ولديها أحمد وكريم ، تعرفنا على الفنانة حنان النحراوي التي تحايلت على جهل العالم للغة الهدوء الذي تعيش فيه ، فاختارت لغة قوس قزح لتحدث العالم بفرشاتها وألوانها . أما المحامية ومترجمة لغة الإشارة نادية عبدالله فهي نموذج صارخ لقلب فاض بالحب لعالم الصم الذي انتمى له والدها ووالدتها فقامت بدور الوسيط الناطق منذ صغرها لتربط والديها بالعالم الصاخب ، ثم امتد طموحها لتقوم بالدور نفسه للكثيرين كأول محامية للصم ومترجمة للغة الإشارة . وهناك نماذج أخرى كثيرة . في كتابها تثير أم الرجال سؤالا مهما ،تقول : "حين يمتزج الجهل بالفقر والإعاقة هل تكفي الأمومة قاربا يصل بالأبناء إلى مرافئ الأمن؟
فأغلب النماذج الناجحة التي تناولتها كانت نتيجة أم محاربة لا تستسلم أبدا من أجل طفلها المعاق ،ولكن الأمومة وحدها لا تكفي ، فعملية زرع قوقعة الأذن والتي تمكن الأصم من استعادة جزء كبير من سمعه تتكلف داخل مصر أكثر من مائة وعشرين ألف جنيه، وثمن السماعة الخارجية للجهاز 3000جنيه،وقد تتغير كل عام وثمن السلك الخارجي 300جنيه.
تحلم أم الرجال برعاية دائمة لذوي الاعاقة السمعية وتوفير سماعة طبية لهم على أن يكون من حقهم الحصول على البطاريات الازمة لها كل شهر . وعندما تتحدث أم الرجال عن ضعاف السمع أو الصم والبكم فهي لا تتحدث عن بضع مئات ،بل تتحدث عن 6ملايين مصري أي مايقرب من 9%من عدد السكان . وهؤلاء لهم حقوق في الرعاية الصحية والنفسية والمجتمعية ، ويجب على وسائل الإعلام أن تضعهم في دائرة الإهتمام ، بل يجب أن تتكرر تجربة فيلم الصرخة ولكن هذه المرة ستأتي التجربة بالطريقة الصحيحة ، فلدينا الآن المعرفة الكافية لإنتاج أعمال درامية يشترك فيه أبطال من الصم والبكم في أدوار طبيعية تماما بعيدا عن أدوار المرشد لعصابات التهريب ،و ماسحى السيارات والأحذية .وأخيرا "قلوب تفيض" الذي خطه قلم أم الرجال سهير عبد الحفيظ من المحلة الكبرى هو خطوة صحيحة نحو مجتمع قادر على احتواء كل أبنائه في قلب واحد دون تمييز .

مجلة أكتوبر العدد1712

Sunday, August 02, 2009

صنـدل أحمــــر" ديــــوان الصُـــــرم!!


صنـدل أحمـــر" ديــــوان الصُـــــرم!!

كما جاء الجنرال جورج باتون وأعطى لحذاء الماشو أهمية غير عادية بقوله "": إنّ جنديًا يرتدي حذاءً هو مجرد جندي، ولكنه مع جزمة الماشو فهو محارب "،يجيء الآن سمير الفيل ليعيد الاعتبار لأنواع الأحذية التي ارتضت السكون تحت أقدام منتعليها مختلفي الأمزجة والألوان والطباع في مجموعته القصصية"صندل أحمر" التي تحتوي على عشر قصص تنطلق من وعن عالم تجارة الأحذية.

قبل القراءة، كان علينا تجاوز مجموعة من العتبات اللافتة والغير مألوفة . فالعتبة الأولى هذا الغلاف الذي تتصدره صورة خفيفة الظل تعبر عن عنوان المجموعة ،وتظهر رسما كاريكاتوريا لرجل يمسك مجدافا في قارب على هيئة صندل أحمر ، وما إن نتجاوزغلاف"مخلوف"الموفق ، حتى نجد الإهداء المتفرد والذي لا يأتي إلا على لسان سمير الفيل الذي لا يشبه أحدا ولا يشبهه أحد :

"إلى الجزم ، والصنادل ،واللكلوك ..إلى النعال والشباشب والكعب كباية..إلى كل ما يوضع بالأقدام ويجاور التراب ويداس بقلب ميت ..."

ولكن وعلى الرغم من غواية العنوان ،والاهداء الأول ،والإهداء الخاص الذي خص به الكاتب "الأولاد الحفاة منتصف خمسينيات القرن الماضي ...في حارة قبيلة وحي النفيس.."فالمجموعة لا تتحدث أبدا عن النعال والأحذية والصنادل ،بل تحكي عن البشر الذين يلبسونها ولا يشعرون أنها أجزاء من كائنات كانت يوما حية تشعر وتتألم وتتجول مثلنا .

في هذه المجموعة أو كما أطلق عليها مؤلفها "ديوان الصُـــرم" نتعرف على فلفل البطل المحوري الذي يعاين ألوانا من الزبائن ومن خلالهم يتكشف لنا العالم الفوقي ، أو عالم من يعتلي أعضاء ديوانية الصرم .

اتخذ سمير الفيل محل بيع الأحذية كفضاء مكاني يتواجد به وينطلق منه فلفل مساعد المعلم خليل ، ومن هذا الفضاء نرى بعين فلفل أنواع البشر المترددين على المحل.ومن اللافت أن فلفل سمير الفيل ، مثل فانكا في قصة أنتون تشيخوف "فانكا". فلفل في العاشرة وفانكا في التاسعة. طفلان يعملان في مجال الأحذية ، فانكا يعمل مع "إلياخن" شديد القسوة سيء الطباع ، وفلفل يعمل لدى خليل البطاحي المزدوج المعايير .

يحكي لنا فانكا بقلب الصبي اليتيم، وبعقل طفل محروم من كل شيء ،تتداعي أفكاره بحرية عن جده قسطنطين مكاريتش،عن الكلبة العجوز ‏‏"كاشتانكا" والكلب "فيون" يحكي عن ماضيه السعيد الذي انتهى بموت أمه "بيلاجيا"،يصف حزنه وشعوره الداخلي كطفل ينتظر البهجة التي ستحل فيه بعد أن يتسلم جده الخطاب الذي لن يصل إليه أبدا.

ولكن "فلفل" وعلى النقيض لا يجعل نفسه مركز الحكي أو الأحداث ، بل يظل يراقب الآخرين ويرصد سلوكهم ،ولا نعرف ما يدور بداخله مثلا من أمنيات وطموحات ، وكأن هذا العام الذي فاق به فلفل فانكا في العمر ، عبر به من بوابة الطفولة إلى مرحلة النضج العقلي ليكتفي بالتأمل والملاحظة متجاوزا الهم الذاتي الضيق. وفي القصة الأولى "السيم " يختفي فيها صوت فلفل كمتحدث ويظهر صوت السارد مخبرا عنه، ليقدمه على أنه يتمتع بمهارات خاصة في بيعه للأحذية وكأنه خبير في استراتيجيات الإقناع والتاثير على المتلقي . يعرض أساليب البيع التي يتوقف نجاحها على فهم طبيعة الزبون وما يدور في ذهنه والتنبؤ بسلوكه ورد فعله . ثم تحديد وسيلة الاقناع المناسبة له من بين طرق عديدة مثل "ربط الزبون ،تثبيت الرطل، الهجوم على طريقة ف، المعاكسة ، تدبيس العريس "يشرح لنا كل طريقة كاشفا خبايا هذه التجارة وما فيها من طرق للنصب والاحتيال ،ولكن بتلاوة المقرئ لبعض سور القرآن الكريم يكون كل قرش "حلالا زلالا" كما يعتقد الحاج خليل صاحب المحل.

ومن قصة إلى أخرى يمضي بنا فلفل متجولا لنعرف أنه وكما تتنوع الأحذية في الجودة والنوع والمقاس ،يختلف البشر أيضا وبالمثل في معادنهم ، وفي مظهرهم الذي يخفي أحيانا كثيرة خلاف باطنهم.فالحاج خليل الذي حج سبع مرات لا يتورع عن مواقعة نظلة امرأة العمدة في مخزن الأحذية ، والأستاذ المحامي الثورجي سلم ظهره لحسناء تمتطيه ،ويدور بها في حجرة الصالون وهي تقول"حا..شي....هس"" ، الشيخة جمالات تضع خادمتها الصغيرة تحت تصرف ابن الحاج ،وغيرهم.وفي المقابل هناك نماذج أصيلة مثل "عم جمعة "الاسكافي الذي لم يكن اسكافيا فقط بل"..إنه منقذهم الأبدي من المذلة وكسر النفس...فقد كان عم جمعة سترا وغطاء لسكان السوق .."فهو يرتق المهترئ من الأحذية فلا يرى الناس"أصابعك وقد برزت من الشراب الذي لابد أن يكون مثقوبا هو الآخر".

تحدث سمير الفيل عن "فعل الستر" في بداية قصة "عم جمعة "حاجبا ما يعرفه من أسرار البيوت الليلية لأن "فضح العبد مكروه" . ثم تناول "الستر "مرة أخرى كدور رئيسي تقوم به الأحذية مع الأقدام المندسة فيها فتخفيها كاملة تارة، أو تكشف منها أجزاءا متفاوتة في الحجم .

والستر هو نوع من الاخفاء ، ولكن هل يأتي "الستر" أو الإخفاء عن احترام وتقدير لمكانة الشيء المخفي المستور؟، أم أنه وسيلة إضافية لمحاصرة ومصادرة حرية المستور وايداعه سجنا محكما ؟

في ديوان الصرم هذا يستخدم سمير الفيل نوع الحذاء ولونه للتعبير عن مساحة الحرية أو للتعبير عن آفاق كلمة الستر في معتقد المشترين لأنواع الأحذية . ففي حالة الأسطى داحس يجيء " الستر" كمرادف للسجن فهو يطلب لزوجته الصغيرة ""حذاء حريمي 39أسود مقفول" فاللون كله تحفظ ، وفي لون العتمة أسود ،ومقفول لإحكام القيد على قدم الفتاة الصغيرة التي تزوجها مثلما أحكم قيده على حياتها.

وفي المقابل نجد الفتيات المنطلقات يخترن "حذاء برتقالي بفيونكة"أو "صندل أحمر" ، وجاء نموذج الصندل مع فتيات المدارس اللواتي يستمتعن بمساحة أكبر من الحرية ، فالصندل يكشف من القدم أكثر مما يخفي وهذا رمز للحرية والانطلاق ، ويجيء اللون الأحمر متفردا لافتا زاعقا في وجه كل القيود ، ولذلك تخيره الكاتب ليحمل اسم المجموعة . وتخير مسعود حذاءً من "جلد لميع لا يطلبه غير الموسرين" ليستر اعاقته ،ويصرف الأنظار عن مراقبة عكازه لتنشغل ببريق الحذاء اللميع ،أراد اعجابا يستر به حقيقة فقدانه لساقه اليمنى في حرب بورسعيد .وهكذا جاءت أحذية "ديوان الصرم"بأنواعها وألوانها المختلفة لتناسب نوعية البشر ومتماشية مع مقدار الحرية التي يتمتعون بها ، وتشير في نفس الوقت إلى اشكالية اختلاف المنظور عن المستور.

مجلة أكتوبر العدد1710/1أغسطس2009