وفى أحيان عديدة نكتشف أن الفائز أفريقى يكتب منذ سنوات أدبا رائعا ولكننا لم ننتبه إليه من قبل، ولم نهتم به إلا بعد أن قدمه لنا نوبل. ولربما قرأنا له عملا بالمصادفة واكتفينا به، ولم نبحث عن غيره. لم يكن لدينا فكرة واضحة عن «وولى سونيكا» النيجيرى حتى عام 1986الذى فاز فيه بنوبل ليتيح لنا - نحن قاطنى القارة نفسها - أن نتعرف جيدا على كاتب عرفه الغرب أكثر منا فقدمه لنا. وما حدث مع «وولى سونيكا» حدث مع «نادين جورديمر»، والجنوب أفريقى «ج. م. كويتزى».
وبالطبع كنا نعرف أديب نوبل العربى الوحيد «نجيب محفوظ» لأنه عاش وكتب بيننا، وإن كانت شهرته لدى الأغلبية منا جاءت عن طريق مشاهدة أعماله التى تحولت إلى أفلام ومسلسلات، لا عن طريق القراءة. فما إن تذكر اسم «الثلاثية» حتى تقفز صورة «يحيى شاهين» أولا ثم اسم نجيب محفوظ ثانيا، وهذا شأن المعرفة المعتمدة على الذاكرة البصرية التى تطغى على ثقافة البسطاء.
وإذا نظرنا إلى نوعية الجوائز التى تقدم فى مجال الأدب، والتى تأتى بعد نوبل فى الشهرة والقيمة المادية أيضا، نجد أغلبها متمركزا فى أوروبا وأمريكا والبعض القليل فى آسيا مثل جائزة «أكوتاغاوا» اليابانية. أما فى العالم العربى فلا توجد جائزة لديها المقدرة المالية ولا القدرة والمصداقية لتقديم أديب لا يختلف عليه إثنان، ومن ثم الترويج له خارجيا. حتى جائزة الرواية أو بوكر العربية التى كانت نتيجة تعاون غربى أيضا مع طرف عربى من خارج قارة افريقيا، أى تعاون مشترك بين المؤسسة التى تمنح جوائز البوكر الدولية، فى بريطانيا، ومؤسسة الإمارات فى أبو ظبى، والتى تم إعلانها فى بداية عام 2007، وتبلغ مكافآتها المالية عشرة آلاف دولار لكل رواية تصل قائمة الترشيحات النهائية، وخمسين ألف دولار للفائز النهائى. وتتبع المعايير ذاتها فى إجراءات الترشيح والاختيار كما فى النسخة الانجليزية.. وقد واجهت الكثير من التشكيك، ثم حملات المقاطعة التى ناصرها كتاب كبار رفضوا ترشيح دور النشر لأعمالهم بعد أن علت أصوات الخلافات بين أعضاء لجنة التحكيم فى الصحافة، ووسائل الاعلام، و انسحاب بعض الأعضاء وظهور الاتهامات بتعمد فوز عمل ما لكاتبة بعينها.
وهكذا وللأسف الشديد نحن لا ننتبه إلى أدبائنا - عربا أو أفارقة - إلا بعد أن يقدمهم الغرب إلينا بتزكية منه، وضمان بالجودة عبارة عن اسم جائزة، ومنحة مالية محترمة. فهل انتبهنا إلى الروائية الزيمبابوية «ايرين سباسيتين» إلا بعد أن وصلت روايتها «الجار الصبى» إلى القائمة النهائية لجائزة «اورانج» البريطانية وألم نتعرف على رواية «نصف شمس صفراء» التى كتبتها الكاتبة النيجيرية «تشيماماندا نجوزى أديتشى» إلا بعد أن فازت بجائزة الأورانج 2004؟. وكل هذا يثبت فكرة اتكالنا على الغير حتى فى مجال الثقافة والأدب. أصبحنا مستوردين للثقافة، فى الوقت الذى نملك فيه كل مقومات الابداع الذى يجعلنا مصدرين للثقافة لا مستوردين متلقين فقط. فأفريقيا، تلك القارة الشاسعة بدولها الـ 53، منها 12 دولة عربية، تستطيع أن تكون قوة ثقافية كبرى لما تتمتع به من تنوع اللغات واللهجات المحلية المتعددة والتى تصل فى دولة مثل «موزمبيق» على سبيل المثال إلى اثنتين وعشرين لغة محلية غير مكتوبة، هذا إلى جانب الثقافات والموروثات التى تزخر بها القارة مما يؤهلها لأن تكون قوة ثقافية هائلة ومتكاملة. وهذا لا يتحقق إلا إذا أدركنا أن هويتنا العربية مجرد جزء من «هوية أفريقية» شاملة كبرى من الممكن أن تعتمد على نفسها فى تقديم ثقافتها إلى العالم، لا أن تنتظره كى يأتى ويكتشف أدبها وثقافتها مثلما فعل المستعمر، الذى كان فى الوقت الذى يكتشف مناجم الماس والذهب، كان يعمل على طمس هويتها بإهمال تراثها، وتجهيل أبنائها بلغاتهم الأصلية وفرض التعليم بلغاته الأوروبية فى المدارس، ويتساوى أثر ذلك على البلدان العربية مثل الجزائر وسائر بلدان أفريقيا. واذا كانت الأمة العربية مجموعة قبائل وشعوب لها تاريخ زاخر يمتد إلى آلاف السنين، فهناك أمم وهويات أخرى فى أفريقيا لها تاريخ زاخر أيضا يستحق أن نتعارف عليه ونستوعبه ولا يتأتى ذلك إلا بالتعاون الثقافى، وبالترجمة من وإلى اللغة العربية، وإلى كل اللغات المتداولة فى القارة كلها ، وبذلك يحدث التلاقح المعرفى ليتعدى حيز العروبة إلى مفهوم أشمل أفريقى الهوى والهوية. مع ملاحظة أن تعدد الهويات ميزة تتميز بها قارة أفريقيا وليست عيبا، حتى لو كان التعدد داخل البلد الواحد وهذا من شأنه أن ينتج أدبا له خصائص متفردة. وإذا ما أردنا أن نفصل المجمل وجدنا أن الثقافة العربية والثقافة الاسلامية مجرد نموذجين فقط . ولذلك نجد أنه من المنطقى أن تتحد كل الثقافات للهويات الفرعية، لتستوعب مدلول الهوية الكلية المنتمية للقارة الأفريقية والتى من شأنها أن تكون قوة ثقافية مستقلة فاعلة.
وأخيرا لماذا نترك أدباءنا يتطلعون لجوائز مثل نوبل أو بوكر أو الاورانج؟ لماذا لا يكون لدينا جائزة يتطلع إليها كل كتاب قارة أفريقيا بكل لغاتها؟ صحيح أن هناك جوائز محلية حالية ولكنها ليست بالشمول ولا الاحتواء الذى يجذب كل الأقلام الأفريقية للمشاركة. ولكن هناك أملاً فى تعاون أفروعربى من أجل جذب الأنظار والأقلام والعقول إلى الداخل فيتبدل الحال إلى حال يتبوأ فيه المثقف دوره الطبيعى فى تنوير مجتمعه واعداده لقبول هويته الشمولية التى تستوعب فى نسيجها كل الأعراق واللغات واللهجات وتحترم خصوصة كل الأطياف
انتصار عبد المنعم
مجلة أكتوبر21نوفمبر2010.