Sunday, March 21, 2010

أديب الحى لا يُـقرأ

جاء فوز رواية «ترمى بشرر» للروائى السعودى «عبده خال» بجائزة البوكر العربية فى دورتها الثالثة خير برهان على أنه كما أن «زامر الحى لا يطرب»، فأديب الحى أيضا لا يجوز أن يقرأ له أحد من بنى وطنه، حتى لو اعترف العالم كله به ولو حاز جوائز الأرض كلها، ولا يجوز له أن يقوم بطبع أعماله داخل وطنه بل عليه اللجوء إلى دار «الكفر» لتقوم بالمهمة غير المقدسة، وذلك حفاظا على طهارة عقول العباد من دنس الفكر والمعرفة، ولكن يجوز القراءة من وراء ساتر مثل شبكة الانترنت بتحميل الإصدارات الكترونيا لتجنب ملامسة الكتب الورقية الناقضة للوضوء!
لم يكن «عبده خال» أول كاتب يتم منع أعماله فى بلده، ولن يكون آخرهم طالما بقى الأديب تحت رحمة رجال الحسبة الذى يخضعون الأعمال الأدبية لأحكام لاهوتية من تفسيرهم واجتهادهم هم أنفسهم، وتبعا لأفقهم الذى لا يتجاوز موضع أنوفهم. فالشاعر الدكتور «غازى القصيبى» لم يشفع له منصبه كوزير ليمرر قصائده دون تعرضها لقرون استشعار تلتقط النوايا والمخبوء فى الصدور، ولم تشفع له قصيدة «تذكرى» التى لو توقف عندها لكفته:
( تذكرى..أن الجرح عندما يتعب من البكاء /يبدأ فى الغناء/تذكرى..أن الذى يحب الله لا يمكن أن يكره البشر).
عبده خال وغازى القصيبى وعبد الرحمن منيف وطالب الرفاعى، جميعهم كتبوا عكس الاتجاه السائد ليخضعوا جميعا تحت طائلة «قضاء الحسبة» وبصورة مشابهة لما تعرض له الشاعر الكبير أحمد عبد المعطى حجازى الذى تم الحجز على أثاث بيته لصالح من ادعى عليه بسبب ما كتبه قلمه، ومؤخرا الروائية «سهير المصادفة» التى وبعد أكثر من خمسة أعوام على صدور روايتها «لهو الأبالسة» اكتشف فجأة أحدهم أنها رواية «قليلة الأدب» لتقع الكاتبة تحت سيف شخص يحتاج خمسة أعوام كاملة كى يفهم ويدرك قبل أن يعبر عن رأيه وعلى طريقة «المغامرون الخمسة» الباحثون عن الشهرة بكشف اللغز أو الكنز المخبوء.
ومن عجائب الشرق، أن رئيس لجنة تحكيم هذه الدورة؛ القاص والروائى الكويتى «طالب الرفاعى» خضعت أعماله أيضا للمنع والمصادرة فى بلده، حتى العدد 59 من مجلة نزوى العمانية التى نشرت قراءة فى مجموعته «شمس» تم منعه أيضا من التداول وتمت مصادرته. ولذلك كان «الرفاعى» صادقا جدا فى الحيثيات التى أعلنها بصفته رئيس لجنة تحكيم هذه الدورة عن سبب فوز رواية «ترمى بشرر» بالجائزة بأنها: «استكشاف رائع للعلاقة بين الشخص والدولة»، وأنها « تعطى للقاريء من خلال عيون بطلها صورة حية عن الحقيقة المروعة لعالم القصر المفرط فى كل شيء»، وأنها «ساخرة فاجعة تصور فظاعة تدمير البيئة وتدمير النفوس بالمتعة المطلقة بالسلطة والمتعة المطلقة بالثراء، وتقدم البوح الملتاع لمن أغوتهم أنوار القصر الفاحشة فاستسلموا إلى عبودية مختارة من النوع الحديث.» تأتى هذه الكلمات على لسان طالب الرفاعى بالذات لا لتصف رواية «خال» وحده بل لتصف أعماله هو أيضا، وتنسحب على أعمال عبد الرحمن منيف الذى تعد روايته «مدن الملح» خير تجسيد لكل ما تحدث عنه «عبده خال» فى مجمل رواياته بما فيها روايته الفائزة. «مدن الملح» تلك الرواية المميزة وبمقاييس عالمية، لم تأخذ نصف حظ رواية «بنات الرياض» من الاهتمام المبالغ فيه من وسائل الإعلام العالمية والذى جاء بفضل تغير خانة النوع للكاتب من «ذكر» إلى «أنثى». إذن هو التوقيت الذى لم يكن فى صالح عبد الرحمن منيف ولا فى صالح طالب الرفاعى. وجاء أخيرا «عبده خال» ليغرد فى نفس السرب الذى نادى بإصلاح الأحوال ومواجهة العيوب بالتحدث عنها وإظهارها لا بإخفائها والتستر عليها، هذا السرب الذى مهد له منذ أعوام عديدة الشاعر والناقد والمفكر «محمد حسن عواد» المولود فى الحجاز عام 1906، عندما أصدر كتاب» خواطر مصرحة» عام 1927 تضمن عدة مقالات انتقد فيها الواقع الأدبى والاجتماعى وحال الوطن فى دعوة صريحة وجريئة للتغيير البناء من خلال الإبداع وتجلى هذا فى قصيدته «جنون الناقدين»: «وطنى أجهل أم سبات/ أم غباء ما اعتراك؟ لا حس عندك، لا حفيظة، لا تحرك لا عراك/ تجرى الحوادث فى رباك/ وأنت كالجسر الطريح/ ويهزك المتشردون فلا تضج ولا تصيح/ انهض بأهلك والبنين». وتمر السنون وينهض البنون ويأتى «عبده خال» من أقصى الجنوب الغربى للمملكة السعودية ومن منطقة جازان، ويبدأ النشر عام 1984بمجموعة قصصية (حوار على بوابة الأرض) الصادرة عن نادى جازان الأدبى، ثم مجموعتيه (لا أحد) و(ليس هناك ما يبهج) عن مركز الحضارة العربية فى القاهرة عامى86 ــ 1988. ثم تواصلت اصداراته الإبداعية متجها إلى الرواية بدءا برواية (الموت يمر من هنا) ثم (مدن تأكل العشب)، فرواية (الطين)، ثم (الأيام لا تخبئ أحدا)، و(نباح)، و(فسوق) وأخيرا روايته الفائزة بالبوكر (ترمى بشرر). ولكن خال اشتهر كروائى وليس كقاص، وبرواياته «فسوق» و»مدن تأكل العشب» و»الموت يمر من هنا» و» ترمى بشرر» التى واجهت بعض النقد وقت صدورها لتكرار أو تشابه المواضيع والعوالم فى رواياته، وبعدها عن الهم الذاتى المباشر وانشغالها بالحديث عن طبقة معينة بغرض جذب الانتباه. ورغم الجائزة التى حازها «خال» ورغم عمله كصحفى، إلا أن كل ماكتبه مازال ممنوعا، فهو يكتب فى وطنه وينشر خارجه ليعرف عنه العالم ويجهله من يقف على بابه، وإذا عرفه أشار إليه ناعتا إياه بصفات تنصب كلها فى أنه يشوه صورة «الوطن» بكتاباته التى خلع عنها برقع الحياء ليظهر عيوبا برع الجميع لأجيال فى إنكارها، ثم لم يجدهم الإنكار نفعا، لتتفاقم الصغائر وتتحول إلى كبائر توشك أن تتحول إلى كوارث على شاكلة «بحيرة المسك
انتصار عبد المنعم
مجلة أكتوبر العدد1743».

Thursday, March 18, 2010

الأدب واشكالية الآخر

تميز الأدب عن غيره من المجالات بمقدرته غير العادية على احتواء وتناول جميع المشكلات دون ازعاج البحث عن حلول لها. بل جاءت بعض الأعمال الأدبية لتتنبأ بأحداث اعتبرناها وقت ظهورها نوعا من الخيال الفائق، ثم ثبت بعد ذلك أنها كانت قراءات مستقبلية لما شهدنا حدوثه بالفعل، مثلما حدث مع جورج أورويل فى «مزرعة الحيوان» وإسقاطاتها وتنبؤاتها المتعلقة بالثورة البلشفية، وفريد معوض فى «أيام فى الأعظمية» واستشرافه لاحتلال العراق. والدوس هيكسلى فى روايته «عالم جديد شجاع» وبوادر تحقق نبوءته الخاصة بميكنة كل شىء، وطغيان المادة، وضياع قيمة الفرد والأسرة وانعدام الاختيارات فى انعدام تام لإمكانية أخذ قرار يخالف النهج الواحد المتتالى والمتشابه حتى فى شكل الوجه والجسم.
وكان من المفترض أن يكون الأدب مجالا تتساوى فيه كل الأجناس وكل الألوان، مادام أنه مجال لا يتعدى حدود الورق. ولكن من الملاحظ أن الأدب فى الكثير من أشكاله أصبح انعكاسا للعنصرية والتمييز فى صورها العديدة. وجاءت النظرة العنصرية من حقيقة الجهل بالآخر الذى ندرك جيدا أننا نجهله، ولا نجد أمامنا إلا اختلاق الصور والأخيلة التى تتناوله بمفهومنا وثقافتنا وأيدولوجياتنا المتنوعة والمختلفة والمغايرة لحقيقة هذا الآخر. بل لقد انساق المثقفون أنفسهم وتداولوا مسميات تصنيفية تُعد فى حد ذاتها تمييزا مثل مسميات الأدب الأنثوى، أدب الزنوج، أو أدباء الجنوب، أو الأقاليم على سبيل المثال لا الحصر. وداخل الأعمال الأدبية نفسها ظهرت شوفينية الأفكار والتوجهات. وكان الحال بالنسبة لصورة الشرقى أو العربى فى الأدب والفن أشد مأساوية حيث تم رسم صورة له من خلال أساطير وحكايا متخيلة على أنه الجشع، البدوى، زير النساء، راعى الجمال فى الصحراء. وتتجسد مقولة أفلاطون فى جمهوريته «أولئك الذين يروون القصص، هم من يحكمون المجتمع» لتتوالى الأعمال الأدبية تعكس النظرة الدونية للآخر «العربى» لتصوره على أنه الوثنى الهمجى فى الكثير من الأعمال مثل قصيدة «أغنية رولاند» وقصيدة «الخطايا السبع القاتلة) للشاعر (وليم دنبر)، و(كريستوفر مارلو) فى مسرحيّته الشهيرة (تيمورلنك العظيم ). ثم بعد أحداث 11سبتمبر أضاف الإعلام صفة جديدة ملصقاً به تهمة الإرهاب وتنعكس. بالتالى على الأدب والفن والفكر الغربى عامة، وعلى ألسنة كبار الرموز مثل توم كروز وأرنولد شوارزينيجر وريتشارد جير. ولكن الأدباء والمثقفين ممن كان لهم معرفة بالآخر العربى، لم يقعوا فى شرك ما تردده صحافة لا تعرف عن الشرق سوى ما تسمعه من جانب واحد ومعاد له . فالكاتب البرازيلى «باولو كويلو» عايش الشرق وخبره عن قرب فى زيارته للمغرب واقترابه من الثقافة العربية فعلا وقولا، ولذلك لم يستق معلوماته من الأفلام ونشرات الأخبار الغربية التى صورت الشرق على أنه «شرق الرعب»، بل قال متباهيا بتأثره بالشرق «ومن لا يحب الشرق يعنى أنه بلا قلب». وهذه المقولة تعبر عن الفارق الكبير بين من عايش ثم تحدث وهذا الآخر الذى يكتفى بتصور الآخر وفق ظروفه وأحواله.
وإن كانت هذه صورة العربى فى العيون الغربية البعيدة جغرافيا وثقافيا والتى لم يحدث بينها وبين المشرق العربى التحام حقيقى عن قرب، كان من المفترض أن تكون صورته فى الأدب الفارسى أو الإيرانى حقيقية أو على أقل تقدير واقعية بمميزاتها وعيوبها بفضل القرب الجغرافى والاختلاط التاريخى على مر العصور منذ الغزو العربى لفارس فى القرن السابع الميلادى, ولكن من الملاحظ أن الأدب الفارسى دأب على تصوير العرب على أنهم «البدو المتوحشين» الذين دمّروا حضارة ايران الساسانية. أو هم مجرد «حفنة من آكلى السحالى، الحفاة العراة الذين يقطنون الصحراء..» كما كتب ميرزا آغاخان كرمانى. وصادق هدايت، أشهر كتاب إيران المعاصرين يصف العرب بـ «المتوحشين» والقساة والمتعطشين للدماء والموبوئين والقذرين والبشعين وأصحاب «الجلود السوداء والمتخلفين». والروائى محمد على جمال زاده يصف العرب بـ «المتخلفين والقساة»، وسخر من شخصية العربى فى كتابه «الفارسية سكر» واصفاً إياه بـ « قطة بيضاء تقعد ملتوية على كيس من غبار الفحم». و تندر مستحقرا الجنس العربى قائلا: «العربى فى الصحراء يأكل الجراد مثلما يشرب كلب اصفهان المياه المثلجة».
والروائى صادق جوباك يرى العربى منافقاً ودميماً ومتوحشاً، ففى روايته «المصباح الأخير» يسخر من البصرة وسكانها العرب قائلا: «عليك أن تحترس فى البصرة وتحرص على أغراضك هناك. فحالما تدير وجهك يسرقك العرب، ليس هناك من لصوص أسوأ من العرب». والأمثلة كثيرة والنظرة الدونية العنصرية واحدة لدى الشعراء والروائيين الايرانيين والتى قد تبلغ من الحدة حد التطرف لتشمل الهجوم على اللغة العربية والدين المشترك والنظرة إلى العرب على أنهم الوحوش الغرباء المتطفلين الذين دمروا حضارة فارس .
وإن كانت صورة «الآخر» العربى فى الأدب الفارسى بمثل هذا المسخ والزيف، فمن غير المنطقى أن ننتظر من الأدب العبرى أن ينقل صورة براقة لنفس «الآخر» الذى لا يشترك معه فى لغة ولا دين ولا ثقافة. ولذلك جاءت صورة «الآخر» فى الأدب انعكاسا وامتدادا لحالة الاحتقان التى لم تنفرج منذ حرب 48 مرورا بنكسة 67. وكان من المنطقى أيضا أن يرى كل جانب فى هذا «الآخر» عدواً وقاتلاً محتملا، وجاء الأدب ليعكس أيضا كل هذا فى ما بات يعرف بأدب الحرب أو أدب المقاومة الذى ينطلق من خبرات شخصية حقيقية أو سرد تم نسجه على معطيات الصراع الدائر بين الجانبين
انتصار عبد المنعم
مجلة أكتوبر العدد1742.

Monday, March 15, 2010

صدور رواية “لم تذكرهم نشرة الأخبار/وقائع سنوات التيه” ل انتصار عبد المنعم





عن دار العصر الجديد بالقاهرة صدر للروائية المصرية انتصار عبد المنعم رواية جديدة بعنوان

“لم تذكرهم نشرة الأخبار- وقائع سنوات التيه”..قال عنها الناقد الأستاذ أحمد سماحة :الرواية تتبع مصائر أفراد أسرة مصرية من ملايين الأسر المهشمة

التي لا يتذكرهم أحد ،

فهم ليسوا لاعبو كرة أو ساسة أو أثرياء أو أصحاب نفوذ..

ولا حتي مجرمين لذا قبعوا في طي النسيان يحفرون مصائرهم بأيديهم

وغالبا ما يفشلون أو تتقطع بهم السبل..

وقائع وتفاصيل من سنوات التيه لأسره الشرقاوي

في فضاء مكاني امتد الي الإسكندرية والغردقة ، وجدة

رصدتها الروائيه بعمق ورؤيه ناضجة ووعي بفنية الرواية

وسرد يتسم بالسلاسة والشاعرية..

ورغم أن الروايه تعد الأولي للكاتبة التي أصدرت منذ عام مجموعتها القصصية

“عندما تستيقظ الأنثى”

إلا أن البناء الفني جاء متماسكا

ومدركا لأبعاد المكان والزمان ومصائر الشخصيات.


http://www.alyaum.com/issue/article.php?IN=13388&I=736217&G=1

Saturday, March 13, 2010

إنهم يترجلون فى صمت الأقاليم

تنادى أدباء مصر فى الأقاليم فى رحلة الصعود الواحد تلو الآخر. بغير موعد يرحلون وكأنهم يعدون العدة لحدث ثقافى جلل يضم كل أطياف الأدب من شعر وقصة ورواية وأدب طفل. أرادوا أن تشهد السماء تجمعهم طالما لم يطل بهم المقام لتشهده الأرض. كان لدمياط النصيب الأكبر فى عدد المشاركين فى رحلة الخلود لتفتتح رحلة الارتقاء بشاعر البسطاء محمد العتر فى نوفمبر من عام 2009 ويلحق به فى يناير 2010 الشاعر طه شتا، وفى فبراير الكاتب والمخرج المسرحى محمد الشربينى ومن المحلة الكبرى يلحق بهم قديس الكلمة ابن المحلة الكبرى فريد معوض، ثم زجال مدينة ادكو الكبير شعبان خميس.
كان الجميع على موعد لن نشهده ولن ننقل فعالياته، ولكنهم سيناقشون أعمال شاعر العامية محمد العتر صاحب دواوين « كلام للطين، صفحة من كتاب العشق، نغبشة، ترحال، الطالع» ولن يفوتهم أبدا نقد رواياته « سفر الموت، حارة النفيس، غيبوبة، باب الحرس.»، سيتخلص الجميع من عقدة العظمة التى تتلبس الكبير حين يصل إلى نقطة الضوء ليكون بينهم مكان للشاعر طه شتا الذى لم تعرفه أضواء العاصمة رغم أنه أعد بعض البرامج للقناة السادسة، وله العديد من الأغانى من تلحين الملحن توفيق فودة. وإن كان العتر وشتا شاركا بالشعر والرواية، فللمسرح نصيب الأسد على يد الكاتب المسرحى والناقد السينمائى محمد الشربينى، مؤسس مجلة آفاق المسرح .بمسرحياته» الجلوس خلف الأبواب، فتاة عادية، البيت فى ميدان الجيزة، أحلام، رمسيس يدق الجرس، صوت مصر، الجانب الآخر من النهار، حق اللجوء العاطفى، بل سيشارك بأعماله وسهراته التليفزيونية (يوميات مدينة على النيل 89، الأجيال 92)، (الخروج من الدائرة90)، (طريق الأحلام: 95)، (تدابير الدنيا 99)، (حكايات الحكماء 2002- للأطفال)، (الحياة على طريقة فلفل 86)، (أحلام عم سيد 87 ـ رحلة الخوف 88 )، ( شموع السعادة 89 ـ قطار الذكريات 95)، (بعد السقوط 92)، (الاستجابة 94)، (أغنية حزينة 94).

ومن المحلة الكبرى سيرتفع صوت فرع النيل الثالث، فريد معوض الذى عرفته انسانا متواضعا محبا للجميع. فريد معوض، ابن المحروسة الذى غرس أرضها صغيرا وعقول أولادها كبيرا . نشأ معوض متوحدا مع الأرض يزرعها لتعطيه أنواعا وأشكالا من الثمار المختلفة، فجاءت أعماله متنوعة ما بين القصة والرواية وأدب الطفل والسيناريو والحوار. اكتسب من الأرض البكر جودة الانتاج، فجاءت أعماله تتهافت عليها الجوائز المحلية والعربية اعترافا بجودتها، يحصل على جائزة سوزان مبارك أعوام (89 و90 و93)، وفى عام 2005 جائزة المحترفين عن كتابه «الأرض تعلمنا»، جائزة أبها الأولى على مستوى العالم العربى عن مجموعته «عم مرجان والحب الذى كان عام 1995، جائزة الشارقة للإبداع العربى عن مسرحيته للأطفال «الديك والدجاجة» عام1999، جائزة الاتحاد العام للفنانين العرب عن روايته «التبة المسحورة» عام 1996، جائزة يوسف السباعى الأولى فى مجال النقد الأدبى عام 2002، جائزة الهيئة العامة لقصور الثقافة بالمركز الأول لعدة سنوات عن رواياته «المرسى والأرض» و «أيام فى الأعظمية» و«أرض الهويس» وتختار منظمة الأمم المتحدة للأطفال «اليونيسيف» كتابيه «حكايتى مع الطائرة» و«نشيد الشمس» ليتم ترجمتهما للعديد من اللغات عام 1992 وغيرها من الجوائز. يترجل فريد معوض الكاتب الموسوعى الذى تنبأ باحتلال العراق فى روايته «أيام فى الأعظمية» والتى جذبت اهتمام الباحثين فى أكثر من عشرين دراسة.
وسيعلو صوت الزجل بين المحتفلين من الزجال شعبان خميس ممثل البحر والبحيرة فى رحلة الارتقاء من مدينة الماء والرمال، مدينة الغاز الطبيعى؛ إدكو .. فى ديوانه «تجليات وأنغام» ظهر اهتمامه بالبسطاء وبالقضايا الوطنية، كتب أيضا يرثى الراحلين من الشعراء، ولكنه لم يكن رثاء عاديا، بل كانت أزجاله تعريفا بأسماء توارت بفعل الزمن فلم تأخذ حقها من الاهتمام مثل الشاعر أحمد السمرة، وأحمد زيادة، وعم أبورواش والكمشوشى. ومن اللافت أن الراحل فى ديوانه الأخير اهتم بشهداء مصر الذين لم تذكرهم كتب التاريخ، يقول خميس فى مقدمة ديوانه «مواكب الخلود»: لم يذكر لنا التاريخ فى العصور المتعاقبة بعد فجر الاسلام إلا أسماء القادة الكبار الذين قادوا الجيوش.. أما الذين شاركوا فى هذه الحروب وماتوا شهداء من الجنود فلم يذكر لنا التاريخ شيئا عنهم ..» ولم يكن الحاج شعبان خميس زجالا فقط ، بل كان باحثا مجتهدا أثبت بالدليل أن من كان يمشى بجوار القمص سرجيوس فى مظاهرات 1919 ليس الشيخ على الغاياتى كما ذكرت صحيفة الأهرام عندما نشرت الصورة المتداولة للمظاهرات، لأن الشيخ الغاياتى كان موجودا وقتها فى منفاه بجنيف، أما من خرج مع المتظاهرين ممثلا للأزهر وبرفقة القمص سرجيوس هو الشيخ عبد الحليم قطيط؛ المحامى الشرعى وأستاذ الازهر والصحفى والشاعر الثورى والذى أصابته رصاصة فى المظاهرة ظل يعانى من آثارها ويرى موضعها لتلامذته.
تلك كانت نبذة وفاء لراحلين ترجلوا فى صمت.. بلا ضجيج.. فلينعموا بالراحة التى لم يجدوها بيننا.
انتصار عبد المنعم
مجلة أكتوبر 1741

Monday, March 08, 2010

البحث عن أسطورة !

لم يعد الإنسان في حاجة إلى الأسطورة بمعناها المتوارث من حيث كونها شكل من الأشكال الأدبية لجأ إليها القدامى لتفسير الأشياء المجهولة والظواهر الغير مفهومة من حولهم . فقد اشتملت الأسطورة المعروفة في بعض أوجهها على حكايا تهدف إلى تفسير ظواهر كونية أو غيرها مما لم يجدوا له تفسيرا منطقيا مثل أصل الكون ، الموت والحياة ، تعاقب الليل والنهار . بل إن الأسطورة تداخلت في سرد تاريخ الشعوب لتجتمع الخرافة مع التاريخ في محاولة قد تكون مقصودة من أجل إضفاء القداسة والهيبة على جنس بشري دون غيره ، أو حتى على طبقة معينة من البشر دون غيرهم . وكما يقول الشاعر الفرنسي دوبان : (الشعب الذي لا أساطير له يموت من البرد) .
فدفء الأسطورة كفيل بخلق نوع من الذاكرة الجماعية تقوم على الخيال المحض، أو خيال تولد من حقيقة صغيرة ثم توارت بعد ذلك الحقيقة في عباءة الخيال لتتحول إلى أسطورة لا نستطيع معرفة الجزء الحقيقي من الخيال المنسوج عليه .
ولكن اليوم وقد عرف الإنسان كل شئ عن الكون والوجود، أدرك أنه في رحلته الفكرية لفهم العالم وهو قابع في مكانه يتخيل آلهة الخير والشر وآلهة الظلام والنور، نسي العالم الحقيقي الممتد خارج حدود الحيز المكاني الضيق الذي سجن فيه نفسه بينما أعطى لفكره براح التخيل . أصبح الكون واضحا لا يحتاج تفسيرات غيبية ويبتعد الإنسان عن كل ما هو غيبي بما فيها الروحانيات ليغرق في ممارسات تندرج تحت مسميات مثل الواقعية والوجودية وغيرهما .
أدرك في النهاية وفي ذروة معرفته أنه لا يعرف نفسه .
وجد الانسان نفسه كعالم مجهول ، وشعر بضعفه البشري الذي يختلف تماما عن شخوص أساطيره الذين كانوا آلهة أوأنصاف الآلهة يتمتعون بالسطوة والقوة . انعكس كل هذا وبصورة واضحة في حركة الأدب الحديث الذي شهد تغيرا في مفهوم الأسطورة وطريقة تناولها بهدف خلق الأسطورة الشخصية لبشرعاديين ليسوا بآلهة ، بل هم بشر يحملون في دواخلهم كونا يموج بالأفكار والصراعات أدركها القائل : (وتحسب أنك جرمٌ صغير /وفيك انطوى العالم الأكبر) .
ولذلك نرى البطل في "دون كيخوتة" يسعى لاكتشاف العالم من حوله بنفسه وكأنه يخلق اسطورة الانسان العادي الذي يكتشف في النهاية أنه لا يعرف العالم ولا نفسه .وفي "الخيميائي" يسافر (سنتياغو) من مكان إلى آخر مثل دون كيخوتة باحثا عن الكنز المادي تحت سفح الهرم ليكتشف أن الكنز بداخله، فهو الأسطورة التي تستحق الخلود ، وهو من يصنع الأساطير ، وأن كل الظروف من صنيعة الانسان لا الآلهة التي شكلها في حكاياه وأعطاها قوة لم تكن لتكتسبها لولاه .
وهكذا ظهر البطل في الأدب الحديث بلا بطولة بل ظهرت هزائمه الداخلية . لم يعد البطل إلها أو شبه إله ، بل انسان مهزوم فصامي يعاني صراعات داخلية مثل مصطفى وبقية شخوص "تغريدة البجعة" أو محمود في "واحة الغروب" ،أو طارق وماجد في "لم تذكرهم نشرة الأخبار" . أو حتى مريض نفسي مثل هادي ونور في " مواقيت التعري" .
أدرك المبدعون أخيرا أن قدرة الانسان على العيش واستمراره في الحياة تُعد في حد ذاتها معجزة أو أسطورة .
لم يعد الانسان في حاجة لأسطورة متوهمة يختلقها بنفسه ، ولم يعد يهتم بالكون الخارجي قدر انشغاله بعالمه الداخلي المليء بالاحباطات حين لا يستطيع مواجهة الحاضر الذي يحيل المبدع إلى كتلة من التوتر قد تؤدي به الى الجنون أوالى الانتحار اعتراضا على واقع لا يتواءم مع طموحاته .
أدرك الأدباء والمبدعون أن الخروج إلى العالم واكتشافه أهم من السكون ، وهكذا ترك "رامبو" بيته وبلده وأشعاره وهو في أوج العبقرية والشهرة ليكتشف بنفسه العالم الحقيقي بالمغامرة والتجوال في العالم ليعيش أسطورته الحقيقية لا المخطوطة شعرا على الورق . وهكذا ترك "نيتشة" الجامعة واستقال ليكتشف العالم ويعيش حياة التشرد والضياع بمفهومنا القاصر، ولكنه كان يصنع اسطورته التي انجب منها رائعته "هكذا تكلم زرادشت" . وهكذا ترك الفنان المغربي "حميدو بن مسعود" وطنه ليبحث لنفسه عن أسطورة في فرنسا وهوليود ، بعكس الشاعر والمسرحي الفرنسي "جون جونيه "الذي اختار العرائش المغربية ليخلد فيها . بل إن الكثير من العظماء من الأدباء والشعراء والرسامين والموسيقيين أصيبوا بالجنون ، أو وصلوا حد الانتحار ليموتوا مثل أسطورة كما عاشوها مثل فان جوخ ، وشومان ، وتشايكوفسكي ،ومايكوفسكي، بودلير، همنجواي ، موباسان، فيرجينيا وولف، نيتشه، إدغار ألان بو حتى مارلين مونرو ومايكل جاكسون وغيرهم .
وفي أفضل الأحوال قد يلجأ المبدع إلى "أسطرة " أعماله بأن يبتكر شخصية أو شخصيات تكون محور أعمال متكررة أو سلسلة من الأعمال مثل لورنس داريل في "رباعية الاسكندرية" أو نجيب محفوظ في الثلاثية . أو لربما يلجأ المبدع إلى أسطرة اسمه الشخصي مثلما فعل توفيق الحكيم في "عصا الحكيم"، و" «حماري قال لي» ، ومن قبله الشاعر الإسباني "خُوان رانون خيمينث في "أنا وحماري". أيضا لجا المبدعون إلى اختراع شخصيات لافتة تعيش في أذهان القارئ حتى بعد أن ينتهي من القراءة مثل شخصية الولد الخشبي "نودي" التي ابتكرتها كاتبة الأطفال البريطانية "إينيد بلايتون"، وأيضا شخصيات " المغامرون الخمسة". وحديثا شخصية هاري بوتر للبريطانية "ج . ك. رولينج" ، و شخصية "فلفل" التي اخترعها القاص سمير الفيل وجعلها محور مجموعته القصصية ""صندل أحمر". وقد يقوم الكاتب "بأسطرة" ذاته ليأخذ دور البطولة في بعض أعماله بصفته وشخصه ككاتب مثلما فعل الأديب الجزائري "واسيني الأعرج" الذي جعل من نفسه بطلا في بعض أعماله كان آخرها رواية " أنثى السراب". وحتى في الفن نجد الأعمال الفنية التي حملت اسم العظيم اسماعيل يا سين ، وشخصية غوار الطوشي للسوري المبدع دريد لحام ولا ننسى "أبو العبد " اللبناني .وهكذا ظهرت الأسطورة الحداثية في الأدب والفن لتحمل مفهوم الخلود والبقاء للإنسان العادي بضعفه وقوته ، بنجاحه واخفاقه ومحاولته العودة إلى اعادة اكتشاف نفسه التي بين جنبيه . فما يفيد الانسان لو عرف العالم وجهل نفسه ؟ .

انتصار عبد المنعم
مجلة أكتوبر العدد1738