Tuesday, May 25, 2010

الأدب الـســاخـــر



رحل ثانى اثنين اعتبرهما الأديب الكبير يحيى حقى حملة لواء الأدب الساخر فى مصر فأهداهما كتابه « فكرة فابتسامة»: (إلى محمد عفيفى ومحمود السعدنى، لأنهما يحملان لواء الفكاهة فى بلدنا، ويشيعان الفرح فى قلوب أهله). رحل محمد عفيفى عام 1981بعد رحلة ممتدة أنتج فيها أدبا مائزا يهدف إلى التحايل على تأزمات الحياة بالسخرية منها والضحك منها وعليها، إلى الحد الذى جعله يأبى أن يكون خبر نعيه مؤلما أو مسببا للحزن لمحبيه، فكتب نعيه قبل موته بنفس طريقته ليسخر من الموت ويرسم ابتسامة نادرة التواجد على وجه قارئ لصفحة الوفيات:(عزيزى القارئ: يؤسفنى أن أخطرك بشىء قد يحزنك بعض الشىء وذلك بأننى قد توفيت، وأنا طبعا لا أكتب هذه الكلمة بعد الوفاة (دى صعبة شوية) وإنما اكتبها قبل ذلك، وأوصيت بأن تنشر بعد وفاتى، وذلك لاعتقادى بأن الموت شىء خاص لا يستدعى ازعاج الآخرين بإرسال التلغرافات والتزاحم حول مسجد عمر مكرم حيث تقام عادة ليالى العزاء. وإذا أحزنتك هذه الكلمات، فلا مانع من أن تحزن بعض الشىء، ولكن أرجو ألا تحزن كثيرا».
هكذا كان أسلوب عفيفى خفيفا محببا للنفس يعتمد على اللغة الأنيقة والتعبير البسيط لتجتمع فى أعماله سمات الأدب والفكاهة التى تعتمد على اللعب بالكلمات العادية لتعطى مدلولات غير عادية وغير متوقعة على الإطلاق، ثم جاء رحيل الولد الشقى محمود السعدنى ليثير تساؤلا مهما عن حال الأدب الساخر الذى برع فيه هو الآخر بحيث صارت له بصمة واضحة تدل على كتاباته خفيفة الظل فائقة الجودة ولو تم اخفاء اسمه من عليها. والسؤال هو هل يمكن أن نعتبر ما يصدره الظرفاء والمستظرفون من خفيفى الظل هذه الأيام – وهم كثرة - أدبا ساخرا ؟ أم أنها مجرد قفشات الغرض منها استلاب الضحكات عنوة من الأصدقاء والمعارف ومن يسعدهم الحظ بنسخة مجانية من الكتاب؟
وهل كان هدف محمود السعدنى ومن قبله محمد عفيفى استلاب ضحكات القراء؟ هل كانت الكتابة الساخرة بالنسبة لهما نوعا من النكات أو الحكايات الطريفة التى من الممكن أن يتسلى بها رواد مقهى أو جلسة سمر على شاطئ النيل مثلا؟.
من الملاحظ كثرة الإصدارات التى يصنفها أصحابها تحت مسمى أدب ساخر، ووفقا لهذا التصنيف يتوقع القارئ أن يجد عملا تتوافر فيه شروط الكتابة الأدبية ومقومات العمل الساخر من حيث الفكرة وأسلوب التناول الذى يجعله جديرا بأن يضمه كتاب منشور. وبما أن الكتابة شكل من أشكال الإبداع الذى يعرفه الدكتور مراد وهبة بأنه:«قدرة العقل على تكوين علاقات جديدة من أجل تغيير الواقع» فقد اشتمل هذا التعريف على عنصرين، الأول هو تكوين علاقات جديدة، والثانى تغيير الواقع. وإذا استثنينا الجزء الخاص بتغيير الواقع لصعوبة هذا التصور أو مثاليته، وأيضا كمبرر لالتماس بعض المميزات لهذا النوع الجديد من الكتابة، لوجدنا أنه لا يندرج تحت مسمى «ابداع» فلا فكر فيه ولا مضمون ولا وجود للعقل فى أغلب الأعمال المتواجدة الآن، بل إن تغييب العقل والإعلاء من شأن القهقهات هى الرسالة المتفق عليها، فتظهر «المسخرة» فى أوضح صورها حيث تقتصر على توثيق لغة الشوارع والمقاهى كما هى دون أى تصرف أو مجهود من الكاتب المزعوم. وعلى العكس لم يكن هدف عفيفى والسعدنى الاضحاك أو المؤانسة فى ليل السامر، كتب عفيفى «تائه فى لندن»، وكتب السعدنى «حمار من الشرق» ليجمعا بين أدب الرحلات والسرد الخفيف والروح المرحة الشفيفة دون ابتذال المباشرة والنقل التوثيقى للأحداث. وفى أكثر كتب السعدنى الساخرة جدية «الولد الشقى فى السجن» يقص حكايا مأساوية لخارجين عن القانون ويوضح الجانب الخفى من حيواتهم التى لا تخلو من بعض شهامة ومروءة بخفة روح يرسم بها ضحكة غير مفتعلة، وفى ذات الوقت يثير دمعة أسى على حال بعضهم مثل سيد الحليوة، أو البحار اليابانى صديق اليانكى وغيرهما. وفى كتاب عفيفى «للكبار فقط» والذى قد يوحى عنوانه للبعض أخيلة تتجاوز حاجز الملابس، فقد ضم مجموعة كاملة من الحكم والأقوال المأثورة ترسم بسمة تنطلق من فكرة ناقدة لواقع ومشكلة حياتية بأقل الكلمات وأكثرها دلالة وأبسطها ليخاطب بها الرجل العادى والمثقف فى نفس الوقت.
قيل إن السعدنى دخل السجن بعد أن أطلق مزحة «نكتة» معينة، ولكن حتى هذه النكتة كانت راقية اللغة محكمة الكلمات لا توجد بها كلمة نابية واحدة أو سباب لأى فرد ينتقده فيها. وهذا عكس الكتابات الحالية التى تشبه الفقاقيع كمحاولات فاشلة لخلق نوع من المتعة المفتعلة ينتهى أثرها بغلق الكتاب ثم التخلص منه عن طريق بائع الروبابيكيا ولكن هل منا من تخلص من كتب السعدنى أو عفيفى؟ كانت كتابة عفيفى والسعدنى محاولة للتقليل من وقع ضائقة أو التحايل والالتفاف على واقع متأزم مع مواصلة العمل بالكتابة الناقدة للواقع، و لم تكن نوعا من التهافت على اصدار الكتب بغرض الحصول على لقب كاتب ساخر. وللحق فإن تدهور حال الكتابة الساخرة فى مصر تشبه تماما تدهور حال الأفلام الكوميدية التى أصبحت هى الأخرى تعتمد على فجاجة البطل المعتوه الذى يتحدث بطريقة غريبة ليسرق ضحكة من جيب دافعى تذاكر السينما. وكما أن هناك فى السيرك المهرج، ظهرت مجموعة من مهرجى الكتابة يعتبرون أن الضحك صناعة وليس فنا ولا أدبا على شاكلة «المهنة مزة والدلع سنكوح» وهؤلاء يخاطبهم محمد عفيفى قائلا» يا أيها الصارخون فى مكبرات الصوت، آه لو تعلمون كم تحتاج أصواتكم إلى مصغرات
انتصار عبد المنعم
مجلة أكتوبر العدد1752

Monday, May 17, 2010

إطلالة) شباب الأدب السكندرى


فى الوقت الذى انشغل فيه كبار الأدباء بمتابعة شئونهم الخاصة كتابة ونشرا ومؤتمرات، أدركت مجموعة من شباب الأدباء فى الإسكندرية قيمة العمل الجماعى، وأهمية أن يكون لهم كيان واحد، وطموح مشترك يهدف إلى أن يجتاز صوتهم حاجز الاهتمام بالذات، والحدود الإقليمية التى وجدوا أنفسهم فيها رغما عنهم. أراد شباب إطلالة الخروج إلى فضاء الأدب الرحب الذى لا ينبغى له أن يتقوقع داخل العاصمة. وعلى الرغم من وعيهم التام بأن عملية الابداع هى عملية فردية بالأساس وأن لكل أديب سماته التى يتفرد بها عن غيره، إلا أنهم آمنوا أن هذا الأديب أو المثقف على العموم له دور كبير فى تنشيط المشهد الثقافى العام وخلق حالة من الحراك الفعال المبنى على رؤى واعية ومدركة لأبعاد الوضع الراهن المتأزم الذى اكتفى غيرهم بنقده دون تقديم حلول أو اقتراحات.

فى شهر أكتوبر عام 2002 وبعدد لا يتجاوز السبعة أفراد بدأ الحلم يتحقق، لم يتركوا مهمة التعريف بهم لغيرهم، ولم يسمحوا لأحد بأن يتحدث بالنيابة عنهم.
منذ البداية اتفق شباب إطلالة على استقلالية منتداهم وانفتاحه، واعتمادهم على جهودهم الفردية: «تجمع إطلالة السكندرى» هو تجمع أدبى غير رسمى لا يخضع لأى جهة أو مؤسسة ولا يعبر عن اتجاه فكرى بعينه، بل يشمل كل الآراء والأفكار فى إطار فضفاض لا يقيد ويمنع، يديره الأعضاء بأنفسهم بهدف إبراز المواهب الأدبية ونشرها فى المجتمع الثقافى لإحداث حراك ثقافى فاعل». ولم تقف الأحلام عند هذا التعريف بل اشتمل على ميثاق ركز على العمل الجماعى، والتنوع، وتقبل الآخر، وحرية الإبداع، والتواصل بين الأجيال. ثم جاءت مجموعة الأهداف لتعبر عن آمالهم القريبة والبعيدة المدى مثل تنشيط وتطوير الحركة الثقافية، وتفعيل دور شباب الأدباء، والاحتكاك الثقافى والتبادل الفكرى، واكتشاف ودعم المواهب الأدبية الجديدة ومحاولة خلق وعى وتواصل مع المجتمع. أما عن رؤيتهم لمفهوم العمل الجماعى الذى قامت عليه مبادئ منتدى إطلالة فقد جاء فى الكلمة التى تصدرت مقدمة الكتاب الثانى الذى أصدره المنتدى:«العمل الجماعى والتعاون منبت النجاح الحقيقى، صدق مع الذات وتلاحم مع الواقع.. مصاعب وإخفاقات لم تفت فى عضدنا بل نحتت ملامح التحدى فينا.. تنمو النبتة، تكتشف ذاتها، تمتد جذورها أكثر عمقا فى التربة الأدبية وتبدأ فى الإثمار.
ويزداد عدد الشباب وتتوالى الإصدارات وفى كل إصدار تتجاور ألوان الأدب قصص قصيرة وأشعار، مقال ونقد وقراءات وعروض لكتب متنوعة، وبمصاحبة رؤى نقدية للأعمال يكتبها كبار الأدباء الذين جذبهم طموح شباب إطلالة وسعيهم الجاد نحو إثبات ذاتهم وتجويد موهبتهم، وهذا ما ظهر فى إصدارهم الخامس الذى شاركهم فيه اثنان من أعلام المشهد الثقافى لتتجاور الأصالة والمعاصرة ويهبط الجدار الفاصل بين الأجيال الذى يعبر عنه شباب إطلالة خير تعبير فى كلمتهم التى بقدر ما تحمل عرفانا، تحمل فى نفس الوقت نبرات النصر لأنهم أدركوا أن جهودهم أثمرت بعد طول انتظار ومعاناة:«كتابنا الخامس نثبت فيه واقع التواصل بين الأجيال، وأن الفجوة المزعومة محض وهم. اسمان يتمتعان فى خلفيتنا الثقافية بمعنى أعمق من مجرد المصداقية، لهما قلمان قلّما يجود بهما الزمن. جمال الغيطانى ومحمد إبراهيم أبو سنة هما معنا بإبداعهما شعرًا وقصةً يقدمان لجيلنا ومن يليه درسًا فى معنى الأستاذية ويضعون بمشاركتهم تلك على صدورنا أعظم أوسمة الأدب. كتابنا الخامس ندق به مسمارًا فى نعش المركزية الثقافية. نشرك فيه مبدعين شبابًا من خارج الإسكندرية، وننادى به كل الواثقين بالمجموع أن ينضموا لمسعانا. ليكون الدفقة الأولى فى تيارٍ عارمٍ من أجيال كُتاب يحتويهم نسيج واحد، وأمل...». وإن كان شباب إطلالة فى كتابهم الخامس حققوا كل ما حلموا به من تواصل بين الأجيال والخروج من حيز المركزية، فهناك الكثير مما يستحق أن يُذكر عنهم بعد أن خصصت لهم مكتبة الإسكندرية العريقة قاعة من قاعاتها لعقد ندواتهم الإسبوعية، فقد زاد عدد الأعضاء، وبلغ عدد الندوات التى قاموا بتنظيمها حتى الآن 345 ندوة أسبوعية وأقاموا خمسة مهرجانات تضمنت مسابقات فى القصة والشعر العامى والفصحى. وهناك الكثير مما حققه شباب إطلالة وما يطمحون إلى تحقيقه تحت مسمى واحد يجمعهم هو اسم «إطلالة» الذى يتم توجيه الدعوات إليه ككيان متفرد لحضور المؤتمرات الأدبية لا باسم وسيم المغربى أو باسم عصام، مصطفى زكى، سامح بسيونى، جيلان الشمسى، حاتم عرفة، محمد العبادى، سمر مصطفى، محمد عمر، حسن معروف، إيمان السباعى، أو عمرو عبد الهادى، فكلهم صغار طير أرادوا التحليق فخضعت لهم السحب، تحملهم إلى براح الفكر ملبين نداء كونفشيوس:«حتى صغار الطير يمكنها أن تطير لو أرادت، فليس فى الوجود مستحيل أمام الإرادة التى لا تـُقهر
انتصار عبد المنعم
مجلة أكتوبر العدد 1751

Sunday, May 02, 2010

المناهج الدراسية والمواطنة

لا يخلو مجتمع من المجتمعات من تنوع يشمل لونه وجذوره وخلفياته الثقافية ودياناته ومعتقداته. وتعتمد قوة أى مجتمع أو دولة على مقدار ما تحققه من تجانس بين كل هذه التنويعات ضمن نسيج واحد تجتمع فيه كل الأطياف تحت لواء فكرة واحدة كبرى وهى «المواطنة» أى الانتماء لهذا الكيان الأكبر أو الدولة التى ينتسبون إليها، وهذا ما أدركه الغرب جيدا فنشأت اتحادات لدويلات أو ولايات أصبحت كيانات سياسية أو اقتصادية عظمى متجاوزة نقاط الاختلاف ومجتمعة تحت لواء هدف عام يسعى إليه الجميع وهم يدركون جيدا حقوقهم وواجباتهم. وعلى المستوى العربى فقد كان من حظ بلداننا العربية أنها فى فترة من الفترات تم احتلالها وتقسيمها بين دول عظمى تتحدث الانجليزية والفرنسية والايطالية والتركية، ولذلك عاشت فترات طويلة تواجه عدوا خارجيا بروح واحدة تنبع من فكرة «القومية» وظهرت أسماء لأبطال ورموز مثل عبد القادر الجزائرى وعمر المختار وجميلة بوحيرد وجمال عبد الناصر وجول جمال. ولم يكن أحد يقف ليسأل هل هذا البطل مصرى أم سورى، ليبى أم جزائرى؟ وفى داخل الدول نفسها لم يكن أحد يسأل رفيقه فى الهم هل هو صعيدى أم قاهرى، دمشقى أم حلبى، حوطى أم نجدى، بربرى أم مغاربى؟ الجميع كانوا يواجهون خطرا واحدا خارجيا، وكانت المناهج الدراسية فى خدمة فكرة القومية والمصير المشترك. وعندما انتهت الحركات التحررية وتحررت الأرض، كانت الكارثة أن حل الفراغ نتيجة تخلخل الفضاء من حول الجميع الذين اكتشفوا أنهم قد أفرغوا ما لديهم فبدأوا يتقهقرون داخل الحدود الضيقة للدول التى بدأت ترسم هويتها المستقلة ليس عن المستعمر وحسب، بل المستقل بعيدا عن رفقاء الأمس وتغيرت المناهج الدراسية بدورها لتركز على فكرة الفردية وتُقصى مبدأ المصير المشترك لمصلحة النعرات القبلية ولم يقتصر الأمر على المستوى العام بين الدول، بل بدأ الأفراد داخل المجتمع الواحد يلتفتون حولهم ليكتشفوا أن لون بشرة هذا الجار تختلف عن لونهم، وأن ذاك لا يذهب لنفس دار العبادة، وهذا يتحدث بلهجة مختلفة. ويكتشف الجميع أنهم يجهلون بعضهم البعض. ونتيجة الجهل بالآخر ظهرت محاولات عديدة لادعاء المعرفة أو للقفز على فكرة جهل الآخر بادعاء الأفضلية للذات والنقصان للغير، أو اطلاق النكات على بعض الجماعات تقليلا من شأنهم مثل الصعايدة والحوطيين والبرابرة والغجر وغيرهم. بدأ الجميع يمارسون نفس سياسات القهر والاقصاء التى كان يمارسها الأجنبى ضدهم، الجميع يريدون فرض السيطرة والرأى الواحد ووجهة النظر الواحدة. وكان من الطبيعى أن تظهر المشكلات العرقية والطائفية داخل مجتمعاتنا العربية، بل تعدى الأمر إلى أن يلجأ البعض إلى التنصل من هويته التى تنسبه للأرض التى ينتمى إليها كوطن ليتبنى فكرا أو معتقدا مستوردا يظن أنه طريقه إلى الخلاص والفوز، وفى نفس الوقت يمارس الحجر على فكر الآخرين حد الحكم عليهم بالكفر أو الالحاد أو الزندقة وغيرها من مسميات لا تدخل تحت حكم البشر ولا إدراكهم لصيرورة الأحداث الغيبية. وجاءت المناهج المدرسية أيضا لتعزز الانفصال بين أفراد المجتمع، فنظم التعليم تقوم على المنافسة والحفظ والتلقين وأن الجميع فى حالة منافسة فردية دائمة من أجل تحقيق انجاز فردى مما عمق من مفهوم الانفصال والتباعد بين أطياف المجتمع. بل إن المناهج نفسها لا تقدم مادة تتناول مفهوم «المواطنة» للطلاب لتزرع فيهم فكرة الانتماء لهذا الوطن الذى يعيشون فيه. حتى عندما كان فى مادة اسمها «تربية وطنية» جاءت كالمسخ فى السياق التعليمى كحصة من الممكن أن يستعيرها مدرس الرياضيات لإكمال منهجه الدراسى. ويزداد الداء فيتم فصل البنات عن البنين وهم فى أولى مراحل التعليم دون داع، وتزداد الهوة فى حصص التربية الدينية التى يتم فيها فصل الطلاب المسلمين عن زملائهم المسيحيين ليأخذ كل فريق المنهج الخاص به لتعزز مرة أخرى فكرة الاختلاف والفصل بين الجميع. وتظهر مسميات فرعية ليشير الرفاق إلى رفقائهم بمسمى «أنتم لديكم...» «ونحن لدينا...». ثم يستفحل الجهل بين الجميع فتستشرى حالة العداء التى أصبحت خير وسيلة لمن يريد إشعال نار الفتنة بين أفراد أى مجتمع، لتعلوا إدعاءات التفرقة والاضطهاد وغيرهما. والسؤال الآن ما هو الحل وقد بدا أن كل اتجاه يتحفز لغيره، وأن كل مذهب يكّفر غيره، وكل لون يشمئز من مغايره! بلا شك أن الحل هو بث فكرة المواطنة فى عقل الجيل الجديد مرة أخرى منذ الصغر أن يتعلم الطالب أنه مواطن وأن زميله مواطن مثله ولا يتحتم عليه أن يكون صورة طبق الأصل منه لا فى اللون ولا العقيدة ولا فى التوجه الفكرى. يجب أن يدرك الجميع أن ما يضمن استمرارية الحياة والوجود فى أى مجتمع هى فكرة الاختلاف التى تعنى التكامل والتعاون ضمن إطار فكرة الدولة الأم التى تستطيع أن تستعيد كل أبنائها ببعض الاهتمام بالمناهج الدراسية، واستغلالها فى تنشئة جيل له ذاكرة تستوعب تاريخه القديم كهوية ثابتة تحميه من الانجذاب أو الوقوع تحت تأثير التيارات التغريبية
انتصار عبد المنعم
مجلة أكتوبر العدد1749.