مجلة أكتوبر العدد1757
انتصار عبد المنعم.
"مؤتمر أدباء مصر" كل شئ يبدأ بحلم صغير
خمسة وعشرون عاما ، وأربعة وعشرون دورة لمؤتمر أدباء مصر ومازالت الرؤى يسودها الضباب من تحديد الهدف منه ، أو من جدوى انعقاده كل عام دون مراعاة توسيع قاعدة المشاركة فيه لينطلق نحو العالمية . والمقصود بالعالمية هنا ليس ما يتم تأويله دوما بدعوة كبار الأسماء الأدبية من خارج مصر . ولكن المقصود بالعالمية هو أن يكون موضع اهتمام ومتابعة من كل الوسائل الاعلامية المحلية والدولية ، وهذا لن يتأتى إلا بعد أن يثبت مقدرته على استيعاب القضايا العامة والاهتمامات المشتركة على الساحة الثقافية والفكرية . وهذا أيضا لن يتم إلا بالتغيير والاستفادة من أخطاء السنوات السابقة والمتعلقة بجوانب كثيرة ومنها :
أولا : المشاركة في المؤتمر
حيث يتجاوز عدد المشاركين فيه 300 فرد مابين موظف إداري وإعلامي وأعضاء نوادي أدب وشخصيات عامة . وإذا ما نظرنا إلى المشاركين من نوادي الأدب على سبيل المثال ، نجد أن المشاركة في المؤتمر تحكمها آلية واحدة تصب في صالح ذوي النفوذ القادرين على فرض تواجدهم ، والذين وفي أحيان كثيرة لا تكون لهم أعمال أدبية ذات قيمة حقيقية ، ولكنه واقع نوادي الأدب المليئة بالمشاكل والتربيطات والشللية والنتيجة ألا تتاح الفرصة لذوي المواهب الحقيقية للمشاركة في المؤتمر . ولذلك أعتقد أن من أول خطوات التطوير هو أن يتم وضع شروط معينة تتجاوز عدد مرات المشاركة إلى الاضطلاع على أعمال المرشحين ، ثم يتم تكليف لجنة خاصة من أعضاء الأمانة العامة لتقييم المرشحين وفق أعمالهم الأدبية المنشورة ، ومساهماتهم المتوقعة ومدى اثرائهم لمحور المؤتمر . على أن يتم في نهاية المؤتمر تقييم اسهامات الأعضاء المشاركين لمعرفة مدى جدية اختيارهم وهل كانوا فعلا أهلا للمشاركة أم لا . بل من الجيد أيضا أن يتقدم كل ناد أدبي بورقة عمل في نفس سياق المؤتمر ، ومن المفترض أن يتم الاستفادة بخبرات الشخصيات العامة التي تحضر المؤتمر ، ومن المفترض أن يعد ممثلو الاعلام المشاركين في المؤتمر خطة للتعاطي مع المؤتمر كحدث مميز يستوجب الاهتمام في نقل فعالياته والترويج له قبل انعقاده وفي أثناء انعقاده مما يكسبه رواجا على المستوى المحلي والدولي .
ولكن الحال الآن أن المؤتمر ينعقد ،ويوضع له برنامج محدد للجلسات والنقاشات ولا تجد في الحضور نصف العدد من الأدباء المشاركين في المؤتمر . والسؤال هو لماذا أتوا من الأساس؟ البعض يعتبرها مناسبة سنوية جيدة لتوسيع دائرة المعارف داخل الوسط الأدبي والصحفي المتواجد، والبعض يعتبرها فرصة لتغيير الجو ورؤية مدن جديدة والتمتع بالخدمة الفندقية المجانية . فماجدوى كل هذا ؟ وما مردوده على المشهد الثقافي؟ . ولماذا يتم انفاق آلاف الجنيهات على خدمات الإعاشة والتنقلات في الوقت الذي لا يجد فيه الأديب تكلفة علاجه حين يمرض ويجد نفسه في موقف المتسول لحق أصيل من حقوقه ؟. المؤتمر ببعض اللمسات التنظيمية من الممكن أن يتجاوز الفكرة السائدة أنه احتفالية سنوية ومهرجان ترفيهي بعد عام من العمل والركض هنا وهناك وراء نشر عمل أدبي أو ملاحقة مسئولي السلاسل الأدبية أملا في تجاوز طابور الانتظار الذي يطول لسنوات وسنوات .
ثانيا : بالنسبة للأبحاث ينبغي أن تتاح الفرصة أمام الجميع للمشاركة بأبحاث في المحور المقترح للمؤتمر ، وأن تشكل لجنة لاختيار أفضل البحوث من حيث ارتباطها بموضوع المؤتمر وجدية الباحث وجودة البحث نفسه ثم يتم بعد ذلك نشرها في كتب أبحاث المؤتمر . وهذا غير ما يحدث الآن ، فهناك مجموعة باحثين بعينهم يقع عليهم الاختيار لاعداد البحوث والدراسات والشهادات التي يتم طبعها في الكتب التوثيقية للمؤتمر . وفي أحيان كثيرة تأتي البحوث بعيدة عن موضوع المؤتمر كأنها لم تكتب خصيصاً له أو أنها تحصيل حاصل .
ثالثا : بالنسبة لمطبوعات المؤتمر ،التي يحصل عليها الأدباء في أول أيام المؤتمر متضمنة أبحاث المؤتمر
والتي لا يجد الأدباء فرصة للقراءة والإضطلاع عليها إلا بعد عودتهم إلى مدنهم ليجدوا فيها ما يستحق النقاش والتساؤل ، وهذا ما كان يجب أن يتم في أثناء المؤتمرالمجدول البرامج لا بعد تمامه وانعدام فرص التواصل مع نفس الجمع الذي احتشد من أجل شأن لا يحيطون بعلمه كما يجب . ولذلك فمن يحضر منهم حلقة نقاشية يأخذ طابع المتلقي السلبي الذي يكتفي بالانصات لبرهة ثم يأخذ نفسه وينصرف ليلتقط بعض الصور التي تخلد الذكرى السنوية .
من المفترض أن تكون لدى الأدباء الذين يحضرون رؤية وقضية واضخة للعرض والنقاش داخل فعاليات المؤتمر ، ولكي يكون لهم رؤية واضحة يستلزم أن يكونوا على دراية بما ستتم مناقشته في الموائد المستديرة والندوات وكل فعاليات المؤتمر . أليس من الأفضل أن تكون مطبوعات المؤتمر في يد المشاركين قبل انعقاده بفترة تكفي للقراءة ولو على سبيل الاستكشاف لتكون هناك خلفية وأرضية لنقاشات مثمرة داخل المؤتمر نفسه؟
رابعا : وهو شأن يتعلق بالأدباء أنفسهم الذين يحصرون أنفسهم داخل حدودهم الضيقة التي لا تتجاوز الحيز الجغرافي المقيمين فيه في القرية أو المدينة التي أتوا منها، لا يهمهم غير عرض مشكلة ما في نادي أدبي أو بيت ثقافة ولا شيء غير ذلك . يأتون بمشكلة فرعية محلية تظل تشغل فكرهم لا يتجاوزونها . ومن الغريب أن تعلو الأصوات المستنكرة لمسمى أدباء الأقاليم وهم أنفسهم يسجنون أفكارهم وطموحاتهم بحيث لا تتجاوز أنوفهم على الرغم من الانفتاح المعلوماتي المتاح على شبكة الانترنت الذي ألغى الحدود الجغرافية ، وذوب الفواصل الزمنية فلم يعد هناك أي معنى للشكوى المكرورة من مسمى يستهجنونه قولا ويتشبثون به فعلا وواقعا ملموسا .
وأعتقد أن المؤتمر لكي يتحول إلى برلمان أدبي سنوي لابد من اتخاذ بعض الخطوات الطموحة والتي قد يعتبرها البعض خيالا أو أحلاما ، ولكن كل شئ يبدأ بحلم صغير ثم يتحقق :
أولا : تحديد الهدف من انعقاده في الأساس ، والهدف من اجتماع 300 أديب في مكان واحد .
ثانيا: امكانية عقد فعاليات المؤتمر في محافظتين أو ثلاث مثلما يحدث في كأس العالم فيكون حدثا جماهيريا لا شأنا خاصا يتعلق بشريحة معينة .
ثالثا : امكانية التحضير له في كل قصور الثقافة ونوادي الأدب على مدار العام ببحث قضايا محددة ينتج عنها أوراق عمل يتم نقاشها في أثناء انعقاده .
رابعا : امكانية تحول المؤتمر إلى هيئة لديها صلاحيات وامكانيات موسعة مثل مهرجان القاهرة السينمائي مثلا، وما يستلزمه من جديه واستقلالية وهذا في حد ذاته ليس بالمعجزة مع وجود ميزانية مستقلة له تجاوزت هذا العام على سبيل المثال 600 ألف جنيه لم تسهم المحافظة المستضيفة بأكثر من 10بالمائة منها.
يحتاج المؤتمر لرجال مخلصين ، وبعض الجدية ، وروح شابة من داخل وخارج أروقة الوظيفة الروتينية ليتحول المؤتمر من كونه رحلة ترفيهية إلى حدث ثقافي مستقل يهتم به الجميع .
انتصار عبد المنعم
مجلة الثقافة الجديدة العدد233فبراير2010