Tuesday, July 06, 2010

أنين الجواري

د.سميحة إدريس وأنين الجوارى
إذا كان بلزاك قال: «يعتقد الرجل أنه بلغ غايته إذا استسلمت المرأة له، وتعتقد المرأة أنها لا تبلغ غايتها إلا إذا شعرت أن الرجل قد قدر ما قدمته له» فقد عبرت عن ذلك سميحة إدريس بوضوح عندما استنطقت نساءها المعذبات فى كتابيها « أنين الجوارى وعشقت القمر» ليكشفن أنه وعلى الرغم من الخطوات الحثيثة لتمكين المرأة والتى قد توحى ظاهريا بأن المرأة قد نالت بالفعل كل حقوقها، إلا أن هناك الكثير من المشكلات القابعة تحت هذا المظهر الجميل توشك أن تنفجر، مشكلات حياتية نتجت عن عصور من التفرقة والتمييز، اهتمت بها الكاتبة التى اختلط عندها العمل الصحفى بالحس الأدبى الذى يظهر فى مجموعة المقالات أو المشكلات فى كتاب «أنين الجوارى» أو الأعمال القصصية فى مجموعة «عشقت القمر».
نجد فى «أنين الجوارى»مجموعة من المشكلات تصف ما تعانيه المرأة من شريك الحياة الذى لا يفهم طبيعتها الأنثوية التواقة دوما إلى الحنان والاحترام والتقدير والاحتواء. يحتوى الكتاب على أكثر من عشرين مشكلة تحوم حول الحرمان العاطفى، والبخل فى الإنفاق وفى إظهار المشاعر والتعبير عنها والتى قد يعتبرها الرجل الشرقى بموروثاته الذكورية البائدة انقاصا لهيبته وهيمنته المفترضة والقائمة على سياسة الصوت العالى والعضلات. تتحدث أيضا عن الفتيات اللواتى يلجأن إلى «ظل الرجل» كى يتخلصن من «ظل الحائط» خوفا من شبح العنوسة الذى يهدد الفتيات بعددهن المتزايد .أيضا تسوق الكاتبة نماذجا من الخرس الزوجى وانعدام التواصل بين الأزواج .
وهناك نماذج أخرى واجهت عذابات الفصام بين ما يظهره الرجال من تفتح فى علاقاتهم خارج المنزل، بينما هم داخله يقومون بدور السجان الذى لا هم له إلا وأد صوت شريكته التى ينظر إليها على أنها وسيلة لتفريخ الأولاد فقط، بعد أن قام والدها باستثمارها كأى صفقة يعطيها لمن يدفع أكثر أو لأقرب شخص يخلصه منها ومن مصاريفها: « متى يصل بنا الزمن إلى اعتبار أن المرأة إنسان؟ إنسان له الحق فى الحياة الكريمة ..إنسان له الحق كل الحق فى الاختيار إنسان له عقل وفكر وعلم».
فى كل مشكلات «أنين الجوارى» يعلو صوت المرأة تعرض شكواها من جانب واحد فقط، ومن وجهة نظرها الأنثوية التقليدية الحالمة دوما بالعش الهادئ والغزل على أضواء الشموع، تلقى بالتهمة على الرجل الذى لا يفهمها ويقف فى طريقها ، مع أنها قد تكون الملومة فى بعض المشكلات التى تعترف فيها بأنها تزوجت فقط لتهرب من الفقر أو خوفا من لقب عانس، أو عن اندفاع عاطفى وعلى غير رغبة الأهل والعارفين بشئون الحياة. ولذلك رغم أننا نتعاطف مع أكثر الحالات إلا أننا لا نجد مبررا أحيانا لتبدل الحال من السعادة الغامرة إلى النقيض تماما من تعاسة وعذاب لا ينتهيان . جاءت كل المشكلات بلا حلول، فهى مجموعة من الأنات أو باقة من التباريح ممن ارتضين أن يتبوأن مكانهن فى صفوف الجوارى عندما تنازلن عن حقوقهن البسيطة الواحدة تلو الأخرى حتى تم سلبهن تماما.
وهكذا تمضى د.سميحة إدريس على هذا النهج المهاجم للرجل على طول الخط وعرضه، وهذا غير منطقى فالمتجبر لم يكن ليتجبر لولا أن وجد من يخضع له، ومن يذعن له، ولذلك إن كان الرجل ملوما مرة فالمرأة ملومة مائة مرة . ومن غير المنطقى أن كل النساء مثقفات جميلات من عائلات محترمة عاشقات ومخلصات ولديهن طموح ومستقبل واعد بينما الرجل هو ذاك الأصلع البارد «بكرشه الكبير، ونظارته الكعب كباية» العدو المتحجر القلب الحاقد الحاسد الذى يغار من تفوق زوجته والذى يسعى دوما إلى هدمها كما تم تصويره فى «أنين الجوارى». فى «محاباة الرجال ..للرجال» تتحدث الكاتبة عن مشكلة عايشتها بصفة شخصية وعانت من كونها أنثى فى مجتمع ذكورى لا يعترف بالمرأة ككيان كامل مستقل، ومن كونها باحثة دكتوراه لها بحث مميز استكثره عليها الأكاديميون من الرجال فحاولوا حرمانها من مجهودها ونسبه إلى آخر صديق أكاديمى لولا أن الأستاذة «نوال عمر» وقفت بجانبها وحصلت سميحة إدريس على درجة الدكتوراة ببحثها قبل أن يتقدم به السارق .
وفى النهاية ومن خلال عرضها لمشاكل حواء تحاول الكاتبة افهام الرجل أنها ليست بمعركة ، وليست حربا فهى تتوق إلى حنانه واحترامه، تشتاق إلى كتفه . فالمرأة إن أثبتت وجودها فى مجال العمل أو الدراسة ، لا يعنى ذلك أبدا أنها ليست بحاجة إلى اثبات وجودها الطبيعى والأثير بين ذراعى رجل بعينه تحبه ويحبها ، وكما قال بيرون « الحب جزء من وجود الرجل، ولكنه وجود المرأة بأكمله
انتصار عبد المنعم
مجلة أكتوبر العدد 1758
.

No comments: