Saturday, October 04, 2008

وثائــق


الأولى
تحت شجرة الرمان أعلنت ثورتها ، قررت الخروج من رحم أمها ، لم تعد تتحمل ضيق المكان وعتمة الليل والنهار ، اشتاقت لتعرف معنى الصباح وضوء الشمس ، أرادت أن تفتح جفنيها المغلقين دوما في محيطها المائي الخالي من الأمواج ، تململت ودفعت برأسها تنظر للأرض الرملية المبللة بماء يرطب حر سبتمبر ، تلقفتها الأيدي ، بكت من برودة أيديهم المتفحصة لأجزاء جسدها الصغير ، علا بكاؤها واختلط بهمساتهم الضاحكة الفرحة بملامحها الدقيقة ، وجاء من جاء وذهب من ذهب ليمنحها اسما وينسبها لرجل
وامرأة ، ويصبح لديها الوثيقة الأولى التي تنسبها لعالم الأحياء .

الثانية

تقطف ثمرات الرمان الناضجة ، تضعها في طبق الفاكهة ، تدخل ، تسلم عليهما ، عيناه تتفحصانها ، يغوص في حدائق جسدها ، يصعد تلالا وينزل هضابا مبهور الأنفاس ، يشتهي الرمان ، يعطيها خاتما ، وجاء من جاء وذهب من ذهب ليسلبها أسمها و ينسبها لرجل آخر ، وتحصل على الوثيقة الثانية التي تدخلها عالم النساء
.
الثالثة
ينخر السوس في سيقان شجرة الرمان ، يتقاطر منها الدود ، يسبح في الهواء متعلقا بخيوط عنكبوتية تخنق شجرة الرمان ، تقع حبات الرمان على الأرض متفحمة ، وتعرى الشجرة من الأوراق وتلفحها شمس سبتمبر ، تتحد مع همومها ، دفقات الألم والحزن تثور بداخلها ، تؤجج ثورتها ، تسحق روحها ، تدعوها لتتخلص من كل أثواب الوهم التي حاكتها في سنوات عجاف ، وجاء من جاء وذهب من ذهب وأعاد لها اسمها ، وتحصل على الوثيقة الثالثة التي تضعها على الأعراف تتهادى على أرجوحة البين بين.

الرابعة
شجرة الرمان أورثت مكانها لتلال من الصبار الأخضر الزاهي ، تتهاوى أيامها ، مضرجة بأحلامها ، متسربلة بأحزانها ، تعلن تسليمها ، تأخذ وثيقتها الأولى ، تغلق عليها يديها ، ترى أمها في غلالة من نور تناديها ، تطرح همومها جانبا ، ترخي مفاصل روحها ، تتمدد على الرمال المبللة بماء تفوح منه رائحة السدر والحناء ، تتلقفها الأيدي ، تبتسم ، تمسك بيد أمها ، يعلو بكاؤهم ، يركضان معا بين أشجار الرمان ، وجاء من جاء وذهب من ذهب ليأخذ منها روحها واسمها وجسدها ويصبح لديهم الوثيقة الرابعة التي تخرجها من عالم الأحزان

13 comments:

Anonymous said...

هذه المدونة من ضمن 10 مدونات اختارتها لجنة تحكيم جائزة إنانا السنوية لأفضل مدونة أدبية للترشح الى المرحلة الثانية

التفاصيل في هذا الرابط :

http://www.inanasite.com/bb/viewtopic.php?t=14255


مودتي وتقديري

مراد العمدوني

مدير موقع إنانا الأدبي

Anonymous said...

الفاضلة

انتصار

اخيرا مجدتك اين انت من مكتوب لماذا هذا البعاد ؟ انا هنا لا ارى انتصار التى اعرفها فى مكتوب هنا فعلا فتفوتة

على العموم سعيد بزيارتك والتعرف على هذا البلوج الجميل فانت رائعة فى كل كتاباتك ....شكرا لك صبرك على كلامى وارجو السماح اذا كنت تجاوزت

son's egypt said...

السلام عليكم
جاء من جاء وذهب من ذهب
ولكن في النهاية سنجد سبيل يخرجنا من عالمنا هذا
الي عالم حر لا يسلبنا اسمنا ولا انفسنا

انـتــصار عــبـد الــمـنـعـم said...

شكرا لك استاذ مراد العمدوني
إنانا من المواقع المحترمة التي أعتز بزيارتها دوما
مودتي واحترامي

انـتــصار عــبـد الــمـنـعـم said...

أستاذي الفاضل
حسن توفيق
أعتز بزيارتك لي هنا
وطبعا انت استاذنا الفاضل
ودعابة منك تسر القلب لا نعتبرها تجاوزا أبدا

وأعلم أني كنت في مكتوب مختلفة
مدونتي في مكتوب أغلقتها للتحسينات
فقد وجدت أن بعض المواقع التي تنتمي لتيار معين تأخذ منها وتنشرها وأنا لا أحب أن أحسب على أي تيار أو أي اتجاه
أنا هنا فتفوتة التي تعشق الحرف
لك ودي واحترامي

انـتــصار عــبـد الــمـنـعـم said...

ابن مصر
هل تعتقد أن هذا قريب؟
أنا معك من المنتظرين

مودتي واحترامي

KHALED said...

مبروك إختيار مدونتك من ضمن أفضل المدونات الأدبية
فأنتى تستحقين أكثر من ذلك
و أعتب عليكى إقلالك من الإبداع
خالص الود

Anonymous said...

أهلا بالأخت الكريمة انتصار
مررت لالقاء التحية , فاذا بمدونتك أخذتني بتنوعها..
أتمنى لك كل جميل يحف المسير
تحياتي وتقديري
أحمد السقال

Haydar Bakhit said...

سرني حضورك الندي في فضاءات مدونتي المتواضعة... واقتفيت اثرك حتى وصلت الى هذه الحديق الجميلة التي تنشقت رياحاينها وقطفت من كل وردة فكرة.

اعجبني اسلوبك السهل الممتنع في السرد، انت كاتبة جديرة بأن تقرأ، اتمنى لك دوام التوفيق.
دمتي بحب
حيدر

انـتــصار عــبـد الــمـنـعـم said...

الأديب العزيز
الإمبراطور حيدر
سعيدة أن كنت هنا
مودتي وتقديري

انـتــصار عــبـد الــمـنـعـم said...

أستاذ أحمد السقال
شكرا لك مرورك الذي شرف المدونة وصاحبتها

انـتــصار عــبـد الــمـنـعـم said...

الفنان المتميز خالد

مرور فنان مثلك من هنا يسعدني
قريبا ستجد ما سألتك عنه عن رودان

في قصة ضمن المجموعة التي أخبرتك عنها
شكرا لك دوما

انـتــصار عــبـد الــمـنـعـم said...

شكرا لكل من مر من هنا وأرسل تعليقه على الميل