هل القراءة الالكترونية ضرورة من ضرورات الحياة أو ترف طارئ؟
كان من المنطقى أن نسأل أنفسنا هذا السؤال بعد أن حذرت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الالسكو) من خطورة تنامى ظاهرة الأمية فى الوطن العربى فى تقريرها الذى صدر مؤخرا، وأشارت فيه إلى أن عدد الأميين بلغ حوالى 100 مليون نسمة على الرغم من كل الجهود المبذولة للحد من تلك الظاهرة. وكما أوضحت المنظمة فإن 75 مليونا من إجمالى الأميين العرب تتراوح أعمارهم بين 15 و45 عاما، وتزيد معدلات الأمية بين النساء، حيث يعانى قرابة نصفهن منها (46.5%).ويقول التقرير: كانت الأمية فى الوطن العربى عام 2005 سبعين مليون أمى فى المرحلة العمرية فوق الخامسة عشر (35% من إجمالى عدد السكان) وفى عام 2008 ارتفع تعداد الأميين إلى 100 مليون (المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم).الملاحظ هنا أننا نتحدث عن الأمية البدائية المحصورة فى الكتابة والقراءة التى تتزايد يوما بعد يوم ليرتفع العدد من سبعين مليونا إلى مائة مليون من مجمل مجموع سكان المنطقة العربية، نتحدث عن أمية قرطاسية الورقة والقلم، فى حين أن العالم الآن حين يتحدث عن الأمية فهو يقصد أمية التعامل مع معطيات التكنولوجيا الحديثة أو ما نطلق عليها الأمية الالكترونية.ولذلك فى ظل أمية القراءة والكتابة أصبحت القراءة العادية بمفهومها المنسحب على الكتاب الورقى العادى فى وجهة نظر 100 مليون مواطن عربى أمى نوعا من الترف لا يقدر عليه إلا النخبة المثقفة، التى نالت حظها من التعليم الذى يؤهلها لتصفح كتاب أو صحيفة.وبالتالى تكون القراءة الالكترونية فى نظرهم مجرد مصطلح مبهم، ولا مقابل له فى حياتهم اليومية غير أننا استبدلنا ورق الكتاب المألوف بشاشة حاسب آلى ينظرون إليها على أنها صندوق عجائب بعيد المنال.وذلك يعيدنا للسؤال الدائرى ترف أم ضرورة؟وتتبادر للذهن إجابة وحيدة، وهى أن القراءة الالكترونية ليست وحدها التى تعد ترفا بل كل ما يتعلق بالشبكة العنكبوتية وذلك لعوامل كثيرة منها:أولا: الأمية الالكترونيةفالتعامل مع الحاسب الالكترونى يفترض فى المستخدم أن تكون لديه خلفية جيدة من التعليم تمكنه من التعامل مع أجزاء جهاز الكمبيوتر ذاته وبرامجه ولديه القدرة على التعامل مع مدخلات ومخرجات هائلة من المعلومات، وهذا ما عّبر عنه بالمصطلح «المعرفة المعلوماتية» وهذا فى حد ذاته يفوق حتى قدرة الأشخاص الذين لا يندرجون بأى حال من الأحوال تحت بند أمية القراءة والكتابة، فالوصول للمعلومات المطلوبة يتطلب التعامل ليس مع معطيات اللغة وهى العربية بل الإلمام باللغة الإنجليزية أيضا، مع ملاحظة أن المحتوى العربى على الشبكة الدولية للمعلومات (الانترنت) لا يتعدى 3% من إجمالى المحتوى العالمى كما ذكرت دراسة حديثة أعدتها لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الاسكوا).وهكذا نجد أن 100 مليون مواطن عربى أصبح محكوما عليهم بالعيش فى عزلة مزدوجة، وأصبح الفرد منهم رهين محبسين، رهين جهله بالقراءة والكتابة من ناحية، ومن ناحية أخرى جهله بما تقدمه شبكة الانترنت من تسونامى هائل من المعلومات، ولذلك يصبح لدينا أمية من نوع جديد ولا خلاف عليها، وهى الأمية الالكترونية التى تعانى منها كل الشعوب العربية، حيث لا تتجاوز نسبة مستخدمى الانترنت فى الدول العربية إلى عدد المستخدمين فى العالم حوالى 7% ومعدل انتشار استخدام الانترنت بين السكان العرب لا يزيد على 6% وهو بذلك من أدنى المعدلات العالمية.وحسب التقرير الثانى الذى أصدرته (المبادرة العربية) www.openarab.net-repertsأنه حسب آخر المعطيات فإن عدد المستخدمين للانترنت فى البلاد العربية تضاعف خلال السنوات الثلاث الأخيرة، ليقفز من نحو 14 مليون مستخدم فى منتصف يونيو 2004 ليصل فى نهايات عام 2006 إلى نحو 26 مليونا.أى أننا نتحدث عن شأن خاص جدا لا يتعدى 26 مليون مستخدم أغلبهم من الشباب الذين يتعاملون مع الانترنت فى البيت، والمدرسة والجامعة وفى مقاهى النت المنتشرة بصورة واسعة فى كل البلدان العربية ولو اعتبرنا جدلا أنها نسبة جيدة فالسؤال هو ماذا يقرأ الشباب؟.. وماذا يفعلون بالنت؟.. وهل استخدامهم للنت إيجابى أم سلبى؟.ثانيا: الحالة الاقتصاديةالحالة الاقتصادية للدول تتدخل وبشكل رئيسى فى هذا الأمر، فلابد من وجود شبكة كهرباء جيدة، وشبكة اتصالات حديثة للتعامل مع شبكات الانترنت، مع مراعاة توافر تلك الخدمات فى القرى والأماكن النائية مثلها مثل المدن، وينسحب هذا كله وبشدة على الأفراد، فالتعامل مع معطيات التقنية الحديثة يعتمد أيضا على المقدرة المالية للأفراد التى تمكنهم من امتلاك جهاز كمبيوتر والاشتراك بشبكة الانترنت أو على أقل تقدير استخدام مقاهى النت وكل هذا يتطلب مالا..وحسب تعريف البنك الدولى فإن أكثر الفقراء بؤسا هم (من يعيشون بدولار واحد فى اليوم) وعلى هذا الأساس يوجد ما يقرب من 60 مليون عربى يعيشون تحت خط الفقر معظمهم فى مصر والأردن والمغرب والسودان وسوريا وفلسطين واليمن 2005.وحسب تقارير شبكة CNN أن 70% من الفلسطينيين يعيشون تحت خط الفقر، ونسبة البطالة تجاوزت 80% فى الضفة الغربية وغزة 2007.وتبلغ النسبة فى القدس 68% حسب الجبهة الإسلامية المسيحية للدفاع عن القدس والمقدسات (2008) وحسب وزير التنمية الاقتصادية المصرى فإن نسبة الفقراء فى مصر تبلغ نحو 20% بما يعادل 14 مليون مصرى (8/19/2007).فهل نطالب من اجتمعت عنده أمية القراءة والكتابة بالفقر بأن يكون قارئا رقميا؟ثالثا: القراءة الالكترونية انتقائية:هذا على العموم والسائد لا على الاستثناءات الموجودة فى بعض الدول وفى بعض المراكز المتخصصة، فالقراءة الالكترونية تعتمد وبصورة أساسية على حاسة البصر مثلها مثل القراءة العادية التى تعتمد على الكتاب الورقى، فعلى الرغم من وجود البرامج التى تضع فى اعتبارها أن هناك متصفحين من ذوى الاحتياجات الخاصة من المكفوفين، فإن النسبة الأوسع من المواد المتاحة على شبكة الانترنت تفترض أن المتعامل معها لا توجد لديه مشاكل إبصار، متجاهلة بذلك 170 مليون نسمة هم عدد المكفوفين وضعاف البصر فى العالم (مركز دراسات وأبحاث المعاقين) وحسب (كونا) يوجد فى الوطن العربى حوالى 4 ملايين كفيف، وفى تقرير جيف آدامز مراسل (بى. بى. سى) لشئون المعاقين تحت عنوان (مواقع الانترنت «تخذل» المستخدمين المعوقين) أظهر تحقيق أجرته لجنة حقوق المعاقين أن أغلب المواقع على شبكة الانترنت تعد صعبة الاستخدام بالنسبة للمعاقين، والقليل من المواقع تهتم بتوفير المعلومات بطرق خاصة بالمعاقين.وتبقى مشكلة التعامل مع الانترنت فالقارئ الآلى يساعد الكفيف فى قراءة الكتب والمستندات المطبوعة والملفات الالكترونية ويمكنه كذلك من كتابة نصوص عربية أو إنجليزية، وحفظها بطريقة برايل، إلا أن المشكلة تكون فيما يتعلق بالانترنت فلا يوجد متصفح يمكن الكفيف من التعامل مع الصفحات التى تحتوى على النصوص المدرجة على شكل ارتباطات أو صور.. فتكنولوجيا الصور مثلا لا تستطيع طريقة برايل حتى الآن التعامل معها، هذا بالإضافة إلى مشكلة الجرافيك والارتباطات وصعوبة الوصول إلى أرشيف المواد المحفوظة.وهكذا ما بين الضرورة والترف يظل السؤال معلقا ينتظر إجابة.. ربما تأتى من إنسان تخلص من هم المعدة لينشغل بالقراءة سواء ورقية أو الكترونية
انتصار عبد المنعم.
http://www.octobermag.com/issues/1706/artDetail.asp?ArtID=87449
http://www.octobermag.com/issues/1706/artDetail.asp?ArtID=87449
No comments:
Post a Comment