Sunday, January 03, 2010

الإسكندرية تتنفس شعرا


على مدار أربعة أيام احتضنت الإسكندرية مؤتمر أدباء مصر فى دورته الرابعة والعشرين ، والذى جاء تحت شعار « المشهد الشعرى الراهن»، ليتوافد المثقفون من كل محافظات مصر إلى مدينة الثغر تصحبهم أحلام وطموحات فى أن يكون تجمعهم السنوى برلمانا يعبر عن حال الثقافة والمثقف. رفع الجميع هذا العام شعار «هذا وقت الشعر» هذا الشعار الذى دشنه أمين عام المؤتمر الشاعر فتحى عبد السميع فى يوم الافتتاح حين قال «هذا وقت الشعر»، فالشعر ليس رفاهية، وليس استرخاء، وليس تسلية، الشعر ضرورة، ويقظة، وبناء داخلى متين ومهيب، ليس غيابا عن الواقع بل هو الحضور الأعمق فى قلب العالم وفى طرح الشعر على بساط البحث طرحا عميقا لكل قضايانا ومشكلاتنا».ولذلك لم يكن مستغربا أن يحرص رموز الفكر والثقافة على التواجد والمشاركة الفعلية فى فعاليات المؤتمر من جلسات وأمسيات، بل فى حوارات مفتوحة مع المبدعين. وقد شهد أول أيام المؤتمر حوارا مفتوحا مع وزير الثقافة الفنان فاروق حسنى الذى أجاب فيه عن كل الأسئلة دون انتقاء أو إعداد مسبق فى خطوة طالما نادى بها المثقفون فى أن تتقلص المسافة بين المبدع والسلطة الرسمية. فالابداع وإن كان سلطة للعقل والفكر، إلا أنه يقع تحت أسر السلطة الرسمية التى بيدها دوما إما أن تُـُحجم شكل الإبداع نفسه وإما أن تمنعه تماما. ومما قاله الوزير مطمئنا به جموع الحاضرين إن بابه مفتوح «وإن وزير الثقافة هو ممثل الأدباء والمبدعين فى الحكومة، وليس مجرد ممثل للحكومة بينهم». وقد أكد الوزير على رفضه لقطع العلاقات بين مصر والجزائر خصوصا فى الثقافة ، أو أن يكون هناك أى شكل من أشكال القطيعة بين الشعبين العربيين. وهذا نفسه ما أكد عليه المؤتمر فى توصياته والتى أشارت إلى عمق وأهمية العلاقات التاريخية بين مصر والجزائر، وأنها تسمو فوق أى أحداث وتصرفات غير مسئولة، وأن أدباء مصر المشاركين فى المؤتمر يدينون ما بدر بسبب مباراة كرة قدم، ويؤكدون أن ما خلّفته تلك المباراة مجرد قشور سطحية لن تنال من عمق الصلات بين الشعبين .وقد أثار أدباء مصر مع الوزير قضية حرية الإبداع دون رقابة من أية جهة سلطوية أو دينية، وأن الابداع والثقافة لهما معاييرهما الخاصة والتى لا ينبغى أن تخضع للفحص من أية جهة خارج منظومة الثقافة والابداع. وفى مشهد آخر يمثل انفراجة نحو سيادة رموز الفكر، وأن المثقف الحقيقى ستكون له مكانته المميزة وما تستوجبه من احترام وتبجيل وتكريم ، بل يبشر أيضا بأن هناك أياما قادمة ستشهد ذوبان الجليد المتراكم على أعتاب رؤساء الهيئات وذوى المراكز الحكومية التى تمنع الوصول إليهم، هذا المشهد الذى وددت أن أوثقه بصورة فوتوغرافية لولا أنى احترمت موقف الدكتور أحمد مجاهد رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة؛ وهو ممثل الحكومة والسلطة فى الجلسة الختامية للمؤتمر، حين جلس على الأرض، وعلى درجة من درجات السلم ليتحدث إلى الدكتور عبد المنعم تلّيمة رافضا أن يجلس بجواره ليبدو المشهد وكأنه مجرد طالب علم يجلس بين يدى أستاذه، على مشهد ومرأى من جميع الحضور الذين توافدوا لحضور الجلسة الختامية التى تضمنت لقاء مفتوحا مع الدكتور أحمد مجاهد وقراءة لتوصيات المؤتمر، والتى كان من أبرزها التأكيد على الموقف الثابت لمثقفى وأدباء مصر برفض كل أشكال التطبيع والتعامل مع العدو الصهيونى. تضمنت اصدارات المؤتمر أربعة كتب، الشهادات وأوراق عمل المائدة المستديرة، وأبحاث المؤتمر، واليوبيل الفضى مراجعة واستشراف، والمكرمون، بالاضافة إلى الكتاب الموسوعى «ثورة الشعر الحديث» للدكتور عبد الغفار مكاوى. كل هذه الكتب جرى العرف على أن يحصل عليها الأدباء فى حقائب تحمل شعار المؤتمر فى أول يوم لانعقاد المؤتمر. ولكن هذه الكتب وعلى الرغم من قيمتها الفكرية والأدبية، وعلى الرغم من كم المجهود الذى بذلته الأقلام المميزة فى اعدادها لجعلها فى متناول الحضور، فإنها تبقى فى الحقائب حتى انتهاء المؤتمر، ليطلع عليها الأدباء حين عودتهم إلى مدنهم وقراهم التى أتوا منها. وأعتقد أنه من الأفضل أن يتم توزيع هذه الإصدارات على المشاركين فى المؤتمر قبل انعقاده بفترة كافية، حتى تكون هناك فرصة لقراءة قبلية، ولو على سبيل الاستكشاف للأبحاث والدراسات كى يتحول المثقف المشارك فى المؤتمر من مستمع سلبى يكتفى بالانصات، أو الاستمتاع بالاقامة الفندقية والتجوال فى المدينة المستضيفة، إلى مشارك فعلى لديه خلفية عن موضوع النقاش أو البحث، وأيضا لربما أضاف بعض النقاط او الملاحظات على الموضوع الأصلى، فالمؤتمر لا يخص أعضاء الموائد المستديرة فقط ولا الجلسات البحثية المصاحبة، وإلا فلماذا حضر غيرهم المؤتمر؟. بقى شىء عبر عنه الدكتور أحمد مجاهد فى الجلسة التى كان من المفترض أن يحضرها أعضاء أمانة المؤتمر لبحث سبل وكيفية تطوير المؤتمر ولكنه فوجئ بحضور عضو واحد فقط ، فى الوقت الذى حرص كبار الأدباء والمثقفين على حضوره مثل الأساتذة حلمى سالم، وجميل عبد الرحمن، وقاسم مسعد عليوة وغيرهم حيث قال متسائلا «هل نحن حقا نسعى لتطوير المؤتمر؟ ومن سيفعل ذلك إذا كان المسئولون عن ذلك والمطالبون به لم يهتموا بحضور الجلسة التى تناقش التطوير والتى طالبوا هم بانعقادها؟».كلمة حق أخيرة، كانت هناك فرص للتعبير عن الرؤى والآراء، ولكن للأسف لم يستثمرها الأدباء كما يجب، واكتفوا بالحديث الجانبى عن الخدمة الفندقية وأمور أخرى هامشية، ونسوا أن المشهد الشعرى الراهن هو مجرد جزء من مشهد عام من وضع أيديهم هم أنفسهم
مجلة أكتوبر العدد1731.

1 comment:

Anonymous said...

تحليلك موضوعي جدا ولكن تغافلتي الأدباء والنقاد المغمورين والذين استطاعوا أن يقيموا لأنفسهم على هامش المؤتمر ندوات غير تقليدية وندوات كانت معبرة فعلا عن الأدب الجميل والرفيع