تميز الأدب عن غيره من المجالات بمقدرته غير العادية على احتواء وتناول جميع المشكلات دون ازعاج البحث عن حلول لها. بل جاءت بعض الأعمال الأدبية لتتنبأ بأحداث اعتبرناها وقت ظهورها نوعا من الخيال الفائق، ثم ثبت بعد ذلك أنها كانت قراءات مستقبلية لما شهدنا حدوثه بالفعل، مثلما حدث مع جورج أورويل فى «مزرعة الحيوان» وإسقاطاتها وتنبؤاتها المتعلقة بالثورة البلشفية، وفريد معوض فى «أيام فى الأعظمية» واستشرافه لاحتلال العراق. والدوس هيكسلى فى روايته «عالم جديد شجاع» وبوادر تحقق نبوءته الخاصة بميكنة كل شىء، وطغيان المادة، وضياع قيمة الفرد والأسرة وانعدام الاختيارات فى انعدام تام لإمكانية أخذ قرار يخالف النهج الواحد المتتالى والمتشابه حتى فى شكل الوجه والجسم.
وكان من المفترض أن يكون الأدب مجالا تتساوى فيه كل الأجناس وكل الألوان، مادام أنه مجال لا يتعدى حدود الورق. ولكن من الملاحظ أن الأدب فى الكثير من أشكاله أصبح انعكاسا للعنصرية والتمييز فى صورها العديدة. وجاءت النظرة العنصرية من حقيقة الجهل بالآخر الذى ندرك جيدا أننا نجهله، ولا نجد أمامنا إلا اختلاق الصور والأخيلة التى تتناوله بمفهومنا وثقافتنا وأيدولوجياتنا المتنوعة والمختلفة والمغايرة لحقيقة هذا الآخر. بل لقد انساق المثقفون أنفسهم وتداولوا مسميات تصنيفية تُعد فى حد ذاتها تمييزا مثل مسميات الأدب الأنثوى، أدب الزنوج، أو أدباء الجنوب، أو الأقاليم على سبيل المثال لا الحصر. وداخل الأعمال الأدبية نفسها ظهرت شوفينية الأفكار والتوجهات. وكان الحال بالنسبة لصورة الشرقى أو العربى فى الأدب والفن أشد مأساوية حيث تم رسم صورة له من خلال أساطير وحكايا متخيلة على أنه الجشع، البدوى، زير النساء، راعى الجمال فى الصحراء. وتتجسد مقولة أفلاطون فى جمهوريته «أولئك الذين يروون القصص، هم من يحكمون المجتمع» لتتوالى الأعمال الأدبية تعكس النظرة الدونية للآخر «العربى» لتصوره على أنه الوثنى الهمجى فى الكثير من الأعمال مثل قصيدة «أغنية رولاند» وقصيدة «الخطايا السبع القاتلة) للشاعر (وليم دنبر)، و(كريستوفر مارلو) فى مسرحيّته الشهيرة (تيمورلنك العظيم ). ثم بعد أحداث 11سبتمبر أضاف الإعلام صفة جديدة ملصقاً به تهمة الإرهاب وتنعكس. بالتالى على الأدب والفن والفكر الغربى عامة، وعلى ألسنة كبار الرموز مثل توم كروز وأرنولد شوارزينيجر وريتشارد جير. ولكن الأدباء والمثقفين ممن كان لهم معرفة بالآخر العربى، لم يقعوا فى شرك ما تردده صحافة لا تعرف عن الشرق سوى ما تسمعه من جانب واحد ومعاد له . فالكاتب البرازيلى «باولو كويلو» عايش الشرق وخبره عن قرب فى زيارته للمغرب واقترابه من الثقافة العربية فعلا وقولا، ولذلك لم يستق معلوماته من الأفلام ونشرات الأخبار الغربية التى صورت الشرق على أنه «شرق الرعب»، بل قال متباهيا بتأثره بالشرق «ومن لا يحب الشرق يعنى أنه بلا قلب». وهذه المقولة تعبر عن الفارق الكبير بين من عايش ثم تحدث وهذا الآخر الذى يكتفى بتصور الآخر وفق ظروفه وأحواله.
وإن كانت هذه صورة العربى فى العيون الغربية البعيدة جغرافيا وثقافيا والتى لم يحدث بينها وبين المشرق العربى التحام حقيقى عن قرب، كان من المفترض أن تكون صورته فى الأدب الفارسى أو الإيرانى حقيقية أو على أقل تقدير واقعية بمميزاتها وعيوبها بفضل القرب الجغرافى والاختلاط التاريخى على مر العصور منذ الغزو العربى لفارس فى القرن السابع الميلادى, ولكن من الملاحظ أن الأدب الفارسى دأب على تصوير العرب على أنهم «البدو المتوحشين» الذين دمّروا حضارة ايران الساسانية. أو هم مجرد «حفنة من آكلى السحالى، الحفاة العراة الذين يقطنون الصحراء..» كما كتب ميرزا آغاخان كرمانى. وصادق هدايت، أشهر كتاب إيران المعاصرين يصف العرب بـ «المتوحشين» والقساة والمتعطشين للدماء والموبوئين والقذرين والبشعين وأصحاب «الجلود السوداء والمتخلفين». والروائى محمد على جمال زاده يصف العرب بـ «المتخلفين والقساة»، وسخر من شخصية العربى فى كتابه «الفارسية سكر» واصفاً إياه بـ « قطة بيضاء تقعد ملتوية على كيس من غبار الفحم». و تندر مستحقرا الجنس العربى قائلا: «العربى فى الصحراء يأكل الجراد مثلما يشرب كلب اصفهان المياه المثلجة».
والروائى صادق جوباك يرى العربى منافقاً ودميماً ومتوحشاً، ففى روايته «المصباح الأخير» يسخر من البصرة وسكانها العرب قائلا: «عليك أن تحترس فى البصرة وتحرص على أغراضك هناك. فحالما تدير وجهك يسرقك العرب، ليس هناك من لصوص أسوأ من العرب». والأمثلة كثيرة والنظرة الدونية العنصرية واحدة لدى الشعراء والروائيين الايرانيين والتى قد تبلغ من الحدة حد التطرف لتشمل الهجوم على اللغة العربية والدين المشترك والنظرة إلى العرب على أنهم الوحوش الغرباء المتطفلين الذين دمروا حضارة فارس .
وإن كانت صورة «الآخر» العربى فى الأدب الفارسى بمثل هذا المسخ والزيف، فمن غير المنطقى أن ننتظر من الأدب العبرى أن ينقل صورة براقة لنفس «الآخر» الذى لا يشترك معه فى لغة ولا دين ولا ثقافة. ولذلك جاءت صورة «الآخر» فى الأدب انعكاسا وامتدادا لحالة الاحتقان التى لم تنفرج منذ حرب 48 مرورا بنكسة 67. وكان من المنطقى أيضا أن يرى كل جانب فى هذا «الآخر» عدواً وقاتلاً محتملا، وجاء الأدب ليعكس أيضا كل هذا فى ما بات يعرف بأدب الحرب أو أدب المقاومة الذى ينطلق من خبرات شخصية حقيقية أو سرد تم نسجه على معطيات الصراع الدائر بين الجانبين
انتصار عبد المنعم
مجلة أكتوبر العدد1742.
وكان من المفترض أن يكون الأدب مجالا تتساوى فيه كل الأجناس وكل الألوان، مادام أنه مجال لا يتعدى حدود الورق. ولكن من الملاحظ أن الأدب فى الكثير من أشكاله أصبح انعكاسا للعنصرية والتمييز فى صورها العديدة. وجاءت النظرة العنصرية من حقيقة الجهل بالآخر الذى ندرك جيدا أننا نجهله، ولا نجد أمامنا إلا اختلاق الصور والأخيلة التى تتناوله بمفهومنا وثقافتنا وأيدولوجياتنا المتنوعة والمختلفة والمغايرة لحقيقة هذا الآخر. بل لقد انساق المثقفون أنفسهم وتداولوا مسميات تصنيفية تُعد فى حد ذاتها تمييزا مثل مسميات الأدب الأنثوى، أدب الزنوج، أو أدباء الجنوب، أو الأقاليم على سبيل المثال لا الحصر. وداخل الأعمال الأدبية نفسها ظهرت شوفينية الأفكار والتوجهات. وكان الحال بالنسبة لصورة الشرقى أو العربى فى الأدب والفن أشد مأساوية حيث تم رسم صورة له من خلال أساطير وحكايا متخيلة على أنه الجشع، البدوى، زير النساء، راعى الجمال فى الصحراء. وتتجسد مقولة أفلاطون فى جمهوريته «أولئك الذين يروون القصص، هم من يحكمون المجتمع» لتتوالى الأعمال الأدبية تعكس النظرة الدونية للآخر «العربى» لتصوره على أنه الوثنى الهمجى فى الكثير من الأعمال مثل قصيدة «أغنية رولاند» وقصيدة «الخطايا السبع القاتلة) للشاعر (وليم دنبر)، و(كريستوفر مارلو) فى مسرحيّته الشهيرة (تيمورلنك العظيم ). ثم بعد أحداث 11سبتمبر أضاف الإعلام صفة جديدة ملصقاً به تهمة الإرهاب وتنعكس. بالتالى على الأدب والفن والفكر الغربى عامة، وعلى ألسنة كبار الرموز مثل توم كروز وأرنولد شوارزينيجر وريتشارد جير. ولكن الأدباء والمثقفين ممن كان لهم معرفة بالآخر العربى، لم يقعوا فى شرك ما تردده صحافة لا تعرف عن الشرق سوى ما تسمعه من جانب واحد ومعاد له . فالكاتب البرازيلى «باولو كويلو» عايش الشرق وخبره عن قرب فى زيارته للمغرب واقترابه من الثقافة العربية فعلا وقولا، ولذلك لم يستق معلوماته من الأفلام ونشرات الأخبار الغربية التى صورت الشرق على أنه «شرق الرعب»، بل قال متباهيا بتأثره بالشرق «ومن لا يحب الشرق يعنى أنه بلا قلب». وهذه المقولة تعبر عن الفارق الكبير بين من عايش ثم تحدث وهذا الآخر الذى يكتفى بتصور الآخر وفق ظروفه وأحواله.
وإن كانت هذه صورة العربى فى العيون الغربية البعيدة جغرافيا وثقافيا والتى لم يحدث بينها وبين المشرق العربى التحام حقيقى عن قرب، كان من المفترض أن تكون صورته فى الأدب الفارسى أو الإيرانى حقيقية أو على أقل تقدير واقعية بمميزاتها وعيوبها بفضل القرب الجغرافى والاختلاط التاريخى على مر العصور منذ الغزو العربى لفارس فى القرن السابع الميلادى, ولكن من الملاحظ أن الأدب الفارسى دأب على تصوير العرب على أنهم «البدو المتوحشين» الذين دمّروا حضارة ايران الساسانية. أو هم مجرد «حفنة من آكلى السحالى، الحفاة العراة الذين يقطنون الصحراء..» كما كتب ميرزا آغاخان كرمانى. وصادق هدايت، أشهر كتاب إيران المعاصرين يصف العرب بـ «المتوحشين» والقساة والمتعطشين للدماء والموبوئين والقذرين والبشعين وأصحاب «الجلود السوداء والمتخلفين». والروائى محمد على جمال زاده يصف العرب بـ «المتخلفين والقساة»، وسخر من شخصية العربى فى كتابه «الفارسية سكر» واصفاً إياه بـ « قطة بيضاء تقعد ملتوية على كيس من غبار الفحم». و تندر مستحقرا الجنس العربى قائلا: «العربى فى الصحراء يأكل الجراد مثلما يشرب كلب اصفهان المياه المثلجة».
والروائى صادق جوباك يرى العربى منافقاً ودميماً ومتوحشاً، ففى روايته «المصباح الأخير» يسخر من البصرة وسكانها العرب قائلا: «عليك أن تحترس فى البصرة وتحرص على أغراضك هناك. فحالما تدير وجهك يسرقك العرب، ليس هناك من لصوص أسوأ من العرب». والأمثلة كثيرة والنظرة الدونية العنصرية واحدة لدى الشعراء والروائيين الايرانيين والتى قد تبلغ من الحدة حد التطرف لتشمل الهجوم على اللغة العربية والدين المشترك والنظرة إلى العرب على أنهم الوحوش الغرباء المتطفلين الذين دمروا حضارة فارس .
وإن كانت صورة «الآخر» العربى فى الأدب الفارسى بمثل هذا المسخ والزيف، فمن غير المنطقى أن ننتظر من الأدب العبرى أن ينقل صورة براقة لنفس «الآخر» الذى لا يشترك معه فى لغة ولا دين ولا ثقافة. ولذلك جاءت صورة «الآخر» فى الأدب انعكاسا وامتدادا لحالة الاحتقان التى لم تنفرج منذ حرب 48 مرورا بنكسة 67. وكان من المنطقى أيضا أن يرى كل جانب فى هذا «الآخر» عدواً وقاتلاً محتملا، وجاء الأدب ليعكس أيضا كل هذا فى ما بات يعرف بأدب الحرب أو أدب المقاومة الذى ينطلق من خبرات شخصية حقيقية أو سرد تم نسجه على معطيات الصراع الدائر بين الجانبين
انتصار عبد المنعم
مجلة أكتوبر العدد1742.
No comments:
Post a Comment