Sunday, September 06, 2009

القصة والرواية ..حديث لا ينتهي

القصة والرواية ..حديث لا ينتهي
اهتم كتابنا الكبار بكتابة الرواية كجنس أدبي وجدوا أنه الأنسب كوعاء لأفكار وأحداث كثيرة لا تتحملها القصة القصيرة ، وامتلأت الساحة بالروايات التي تلقفتها وسائل الاعلام محتفية ومروجة . ثم جاء حجب جائزة الدولة التشجيعية للقصة القصيرة لعام 2007. ،وتم منح جائزة يوسف ادريس في القصة القصيرة للقاص العماني سليمان المعمري ، ليعتبره البعض أنه خير برهان على وفاة القصة القصيرة ،وأن مصر أصابها العقم لتنجب قاصا واحدا. وخرج علينا بعض المتطوعين ليعلنوا موت القصة القصيرة وأن زمنها قد ولى وراح مستشهدين بكتاب الدكتور جابر عصفور "زمن الرواية".
ومؤخرا ، عاد بعض الروائيين الكبارلكتابة واصدار مجموعات قصصية ،خاصة هؤلاء الذين ارتبطت أسماؤهم بجوائز كبرى مثل بوكر ، فالروائي مكاوي سعيد صاحب "تغريدة البجعة" التي وصلت إلى القائمة القصيرة ، أتبع روايته بمجموعة قصص قصيرة "سري الصغير" ،والروائي بهاء طاهر صاحب "واحة الغروب "التي نال عنها الجائزة أصدر أيضا مجموعة قصصية بعنوان" لم أكن أعرف أن الطواويس تطير" وغيرهما من أصحاب الأقلام المميزة .
وللعجب أننا نجد فجأة من يتحدث متحمسا معلنا عن عصر البعث والنشور للقصة المقبورة . ومع خالص احترامنا لكل كتابنا الذين تعلمنا منهم وتتلمذنا في مدارسهم ، فإنه من الغبن والظلم أن يقوم تاريخ القصة على أسماء بعينها ، إن هجروها فهي متروكة مقبورة ،وإن كتبوها فهي حية ترزق، ليصبح تاريخ القصة مرتهنا بما يكتب هؤلاء العظام المستأثرين بالاهتمام الاعلامي منذ شروعهم في كتابة أول سطر في الرواية وحتى انتهائهم من الكتابة لتبدأ مرحلة أخرى من الاهتمام على يد مجموعة النقاد التي لا تضيع تلك الفرصة في الكتابة عن الروائي المعروف أملا في بقعة ضوء تـُُسلط على أسمائهم هم . فأي مكسب سيجنيه الناقد من وراء اضاعة الوقت في القراءة و الكتابة عن قاص مغمور لم يعرف طريقه إلى زمرة المروجين للأصحاب والزملاء بنظام "واحدة عندك وواحدة عندي"؟
هل ضياع الاهتمام الاعلامي بالقصة القصيرة يـُعد مسوغا لإعلان الوفاة؟ وماذا عن كتاب القصة القصيرة من خارج دائرة الضوء القاهري القهري البارعين والذين تمسكوا بها على الرغم من كل المعوقات ،هل نستخرج لهم شهادات وفاة رسمية أيضا؟؟ فكتاب مثل محمد عطية محمود ويحيى فضل سليم وصلاح بكر اخلصوا للقصة القصيرة التي اتخذت شكلها المميز من البحر والساحل والميناء والرمال فكانوا مثل البحارة الذين لم يتخلوا عن سفنهم حتى وإن قال لهم القائلون أنها تغرق.وهل من الممكن أن يموت جنس أدبي استخدمه محمد حافظ رجب ويوسف ادريس؟؟
القصة القصيرة كانت متواجدة دوما ولكن في دائرة التهميش والاقصاء ،فالاهتمام بالرواية والذي تصاعد خاصة بعد فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل عام 1988، جاء على حساب القصة القصيرة التي لم تجد لها مكانا ولا جوائز مميزة ترصد لها ،في الوقت الذي ظهرت فيه النسخة العربية لجائزة بوكر في الرواية والتي أصبحت مطمح كل الآمال وقبلة الأبصار كل عام ،حتى بات جليا أن البعض يكتب روايته وعينه على بوكر بعد أن أصبحت نوبل بعيدة المنال ،والتي هي الأخرى انحازت إلى الرواية فلا يوجد- على حد علمي -من بين الحاصلين على جائزة نوبل واحد من كتاب القصة القصيرة ..
ولأن الرواية أصبحت الجنس الرابح خاصة لو تضمن قصة فضائحية أو بعض السباب أو بعض الخلافات العقائدية فقد تسابق الجيل الجديد من الأدباء تتوالد من بين أيديهم الروايات كالأرانب والفئران، لتظهر ظاهرة رواية لكل مواطن ، وشعار أفضل المبيعات للرواية التي لم يتجاوزعدد نسخة الطبعة فيها المائتي نسخة تم توزيعها على النقاد من المعارف ، والأصدقاء العاملين في مجال الصحافة الأدبية ليقوموا بدورهم في الترويج للإخوة الزملاء . فأصبحت الأضواء مسلطة على فئة معينة خدمها التوزيع الجغرافي ليكونوا في بؤرة الاهتمام القاهرية حيث تتواجد مقرات الصحف والمجلات وجلسات المعارف التي يتم فيها تحديد الأدوار وتوزيعها على الأصدقاء الذين بيدهم نشر قصة هذا أو الترويج لرواية يفكر فيها هذا الألمعي ، أو رحلة هذا الصديق إلى بلاد السند فاتحا ؛من أجل الصداقة والأمسيات المميزة التي تجمع المقربين فقط وتكون كفيلة بتعويض الناقص في الموهبة ذاتها ببعض الترويج الذي يرمم الجوانب المتهالكة في أي عمل أدبي كتبه شخص سعيد الحظ والطالع . وفي ذات الوقت ينصرف الاهتمام بعيدا عن الأدباء الذين ساقهم حظهم العثر والتوزيع الجغرافي الذي اصطلح على تسميته "الأقاليم" فحلت عليهم لعنات وتنزلت عليهم أوبئة التهميش ونظرات الاستعلاء حين يرسلون بأعمالهم إلى القائمين على الصفحات الأدبية في الصحف أوالمجلات الأدبية المتخصصة .بل ومما زاد من سوء طالع هؤلاء أن يتحالف ضدهم التوزيع الجغرافي مرة أخرى وهم يشاهدون كيف أن صحفهم تفتح صفحاتها للأصدقاء من قاطني بلدان بعيدة لا تتحدث العربية ليصبح لهم مكان مميز جاهز لنشر أعمالهم فور شروقها على صفحات البريد الالكتروني للصديق المسئول ؛فقط لأنهم يكتبون اسماءهم العربية القحة مذيلة بهذا النيشان "مقيم في ميونخ أو السويد" مثلا.
كنا نتندر يوما على هذا الأمر فجاء اقتراح وجيه على لسان صديق من"عزبة البرج" بأنه سيتلاعب ببعض الأحرف في اسم مدينته ليكتب أسفل اسمه "بطرسبرج"تلك المدينة الواقعة فى شمال غرب روسيا، حيث يتلاقى نهر نيفا مع خليج فنلندا على بحر البلطيق، بدلا من "عزبة البرج" الواقعة شمال دمياط على الضفة الشرقية لنهر النيل التعيس ،كحل أخير لمسألة عقدة الخواجة في ساحة النشر في الصحيفة ذائعة الصيت والسطوة ،ثم أخرج لنا من جيبه خريطة يوضح عليها أوجه التشابه بين جغرافيا بطرسبرج وعزبة البرج ، متعمدا لفظ اسم مدينته على وزن كلمة المدينة الأوروبية ، ونحن نضحك على طريقته وعلى فكرته الجديدة ، نكتم في قلوبنا دمعة متحجرة على واقعنا الثقافي المتأزم .
انتصار عبد المنعم
مجلة أكتوبر عدد
/5/9/2009/1715

No comments: