Wednesday, November 11, 2009

" اكتبــي فالكتابة عناقنـــا الأبـــدي!!


" اكتبي فالكتابة عناقنا الأبدي!!
"أن تكتب يعني أن تهجر معسكر القتلة " قالها كافكا وعشتها أنا. المدينة مليئة بالقتلة؛ قتلة الأحلام والطموحات، المدينة بلا قلب مثل سمكة قرش تنهش ولا مفر، فمن الشمال البحر ومن الجنوب البحيرة وعلى مد البصر يقف القتلة متحفزين لمن تسول له نفسه الهرب من تيه الأحراش .
كان لابد من الهروب والأبواب كلها موصدة . سجنوا الجسد فانطلقت الأحلام خلف الأسوار مع فعل "إقرأ" وكلما قرأ ازداد الجسد خفة واكتسب كيانا من أثير يعبر به فوق قيده الزماني والمكاني ليتجول في أركان الدنيا ، يبكي لموت ماجدولين وأوفيليا ، يفرح مع كوزيت وماريوس ، يقف خلف المتاريس مع جان فالجان ، يراقب شجرة اللبلاب وغصن الزيتون ،يطرب لعصفور من الشرق ، وهناك في أقصى الشمال يبحث مع فانكا عن قسطنتين مكاريتش ، يجمع مليون وردة حمراء مع آلا بوجاتشوفا ويستنشق عبير الزهور التي لا تنبت في أحراش المدينة المفعمة بالحزن . عندما رأى "حسن "أول قصة وعد بفتح أبواب السجن لأطير بعيدا ولكن حسن كان أول الخونة فقد مات ، وتبعته خيانات الرحيل العديدة لكل الأحبة ، ولكن مع كل رحيل كان هناك سطر ينقشه رسام الحروف في الذاكرة ليتحول بعد عمر إلى قصص وروايات . يعود الجسد إلى فعل "اقرأ واحلم " مرة أخرى، و في كل لحظة حلم ورحلة وعالم حر واسع حتى امتلأ النهر وأوشك على الفيضان ولكن أين عصى موسى لتعطي أمر الفيض بالكتابة ؟
وذات حلم جاء المخلص أخيرا وأشار إلي هامسا " اكتبي ، فالكتابة عناقنا الأبدي!"
فتح لي أبواب فراديس الروح ، أخيرا سيكون بيننا عناق ، أخيرا ستسري في تكويني حرارة كينونته بلا حدود ولا حواجز . توضأت بفيض نوره وامسكت بالقلم ، استعذت من سجن المدينة وبدأت أكتب وأقدم للبحر قرابين من خلجات ورؤى عوالم كانت مخزونة لسنوات عجاف عديدة . وبدأ فعل "اكتب" ينهمر . أكتبني غجرية وجيشا وعقيم وعفريتة ، اكتبني ما أشتهي ، أرسمني شقراء وسمراء وفتفوتة .أكتبه وأرسمه حنونا وقاسيا ، عاشقا وخائنا ،أوبحرا متيما . صرت حرة أخيرا ،أمسك القلم أينما ووقتما أشاء ،أستدعي كل الراحلين ، وأعدل من مصائرهم في مملكة الحروف المقدسة . أدركت حورية البحر أخيرا أن خلودها بين دفتي كتاب ، أن مجدها غزل لخيوط من أحرف . أدركت أنها منذورة للكلمة التي لن تقايض عليها أبدا ، تحجز بها مكانا تحت شمس تاريخ يدونه عجوز خرف معصوب العينين .
تكتب لأنها تدرك أن حروفها ستعانق الغائب جسدا الحاضر روحا وقلبا وبحرا .تكتب وتكتب عله يرى اسمها مكتوبا على غلاف كتاب أو صفحة مجلة فتعانق عيناه حروف اسمها . تكتب لتستوطن كتابا ربما تمسه أنامله يوما أو لربما يضعه على وسادته ليستقبل أنفاسه يمنحها بعضا من عمر فتعرف أنها على قيد الوجود في قلبه مازالت .
انتصار عبد المنعم
مجلة الثقافة الجديدة عدد نوفمبر 2009

2 comments:

مدائن الثقافة said...

رائع..مررت من هنا..كي اضع بصمات على الحروف ..وسأعود مرة اخرى للمدونة.

Anonymous said...

تكتب لأنها تدرك أن حروفها ستعانق الغائب جسدا الحاضر روحا وقلبا وبحرا .تكتب وتكتب عله يرى اسمها مكتوبا على غلاف كتاب أو صفحة مجلة فتعانق عيناه حروف اسمها . تكتب لتستوطن كتابا ربما تمسه أنامله يوما أو لربما يضعه على وسادته ليستقبل أنفاسه يمنحها بعضا من عمر

فقط أسأل ألهذا تكتب ؟ أم أن الكتابة حياة أخرى ولها لذة أخرى ؟