Friday, April 16, 2010

(انتصار عبد المنعم تخترع أسطورتها ) عندما تستيقظ الأنثى .. ومشهدية البوح .



نتصار عبد المنعم تخترع أسطورتها ) عندما تستيقظ الأنثى .. ومشهدية البوح . إبراهيم محمد حمزة/المساء
" إذا صاحت الدجاجة صياح الديكة وجب قتلها " هذا التعبير القاسى أورده الميدانى فى " مجمع الأمثال " لم يعد له مكانه القديم ، فقد صاحت الدجاجات ، وفاضت ببوحها ، وبالغت أحيانا ، وجأرت بالشكوى منذ اقتنصت شيئا من حريتها ، طارحة نفسها ثائرة على كافة مواضعات مجتمعها تجاهها ، ولم تخرج " انتصار عبد المنعم " عن السياق العام للأديبات المنشغلات بالذات ومنغصاتها ، وقدمت عبر مجموعتها " عندما تستيقظ الأنثى " الصادرة عن دار نون للنشر والتوزيع بالقاهرة ، قدمت سيمفونية أنثوية خالصة ، مهما تنافرت أنغامها ، ورغم غلبة " المهادنة " فى طرح علاقة الذكر بالأنثى ، لكنها قدمت عبر ما يقارب أربعين نصا قصصيا ، أسىً كثيرا وسط بسمات نادرة لامرأة تعيش بين رجال . ــ لغة الأنثى : "إلى البحر الهادر " تهدى الكاتبة مجموعتها ، مؤكدة أنها من اجله وله ولأجله فقط ستكتب . وعبر هذه العتبة الهامة تؤكد انتصار انحيازها للحرية بقوة ، لتقدم ذاتها على طبق من ورق مظهرة آلام الوجد الناتج من وجود رجل فى حياة امرأة : ( لم يسألكِ يوما عن نوع الجرح الذى تفضلين ، خبير هو فى اقتراف كل أنواع الجروح الممزوجة بملح البحر ) ها هو البحر يطل على استحياء ممزوجا بمرارة الجرح ، فى قصتها الأولى فى المجموعة (جروح الملح ) لتقدم صورة لامتلاك الرجل لروح المرأة ، فى حين أنها بالنسبة له مجرد محطة انتظار ، وبين هذا العشق من جانبها ، والإهمال من جانبه تبقى هى ( راهبة فى محراب ذراعيه ، تتبتلين على شفتيه ، ترتلينه حرفا حرفا ، جوقة الأيدى تردد معك مزامير الشوق ) هكذا يتحول المعشوق إلى معبود ، ينكر عابديه ، من خلال لغة بها خصوصية وشاعرية ، غير أنها ملتبسة بسخرية مبطنة خبيئة .. ( كريم هو فى وعوده التى لا تتجاوز اللحظة التى يطلقها فيها ) ثم تضفر السخرية ببلاغتها الخاصة ( لا يعلم أنك تنسجين منها ثوبا يستر ضياعك ) ثم تصل إلى أشد حالات الشوق الشبق ( تتأهبين لمواقعة ذكراه الباقية ) وحتى هذه تفشل فيها وتنتهى القصة بـ ( تضلين الطريق لغرفة نومكما ) هذه صورة من صور شديدة التعدد فى المجموعة ، لعلاقة الذكر بالأنثى ، عبر أنماط المرأة التى رصدتها المجموعة ، سنجد المرأة المشتاقة فى قصص ( قل لى أوحشتنى ـ خمس دقائق ـ عشرون خريفا ) ونجد صورة المرأة المعطاء فى ( غجرية ـ عفريتة ) وصورة المرأة المقهورة فى ( الشيخ الولى ) والمرأة الشاهدة لكل حالات العشق فى قصص ( ذات صباح فى جروبى ـ انتحار ) وصورة بهية للمرأة المحبة فى قصص ( فتفوتة ـ قل لى يا أحمد ـ رسائل غير منطوقة ) والمرأة المقاومة للحب الرخيص فى ( خمس دقائق ـ على الرمال ) وكذلك صور للمرأة المخدوعة والمرأة الأسطورية والمرأة المتسلعة الغبية فى قصة مثل ( أنف وفم ) فضلا عن قصص قليلة جدا خارجة عن الإطار العام للمجموعة مثل ( وللبحر شئون ـ نصف جنيه وقطعة حشيش ) ولكن هناك نموذج مغاير ، لأنه يصور المرأة فى حالة اشتهاء ، وقد نجت الكاتبة فى هذا النموذج من الوقوع فى شرك الشبق اللغوى ، فجاء الحدث دالا وموحيا ، فى قصتها التى منحت عنوانها للمجموعة "عندما تستيقظ الأنثى " لم تستخدم الكاتبة ضمير الأنا ، إنما استخدمت فى سردها الشخص الثالث (الهو ) تبدأ بقولها ( وقفت تتامل واجهات المحلات المخضبة باللون الأحمر ) لاحظ دلالة اللون الأحمر وتكراره ( دببة حمراء ـ ساحة موسكو الحمراء ـ قميص نوم أحمر ـ حمرة الخجل ـ تلال الأحمر ... ) هذا الاحمرار المتوهج ينتقل للساردة وهى تنتقل بين واجهات المحلات ، لترى الملابس النسائية المثيرة المدهشة ، ثم يدور صراع فى نفسها بين الأنثى والإنسانة ، حين ( تقع عيناها على قميص نوم حريرى مكون من قطعتين ، تشعر بالحرج ، ترقص المرأة التى بداخلها كى تشتريه ) تتذكر كلام خطيبها حول عدم أهمية الملابس لأنه ( سينزعها فى النهاية ) . قادت الكاتبة الصراع داخل المراة ببساطة وبراعة صراع الخجل والاشتهاء ، بين انوثة مؤجلة وأنوثة قادمة منتظرة ، تهاجمها بضراوة حين يبدأ ( دبيب النمل يسرى فى سائر جسدها ، يشعرها ببرد الرغبة المقبورة ......... يشتد دبيب النمل ......... تنزع القميص الأحمر .. ترتدى ملابسها الشتوية مرة أخرى ) تبدو رهافة اللغة دالة وهامة فى بنائية هذه القصة ، عبر بناء صراعات متوازية دقيقة بين الذات والأخر ، وبين الرغبة والواقع ، وربما هذا ما دفعها لتجعل الرغبة موازية للأنوثة فى معادلة غير متكافئة ( تحتاج دبا لتضمه إليها ، لتقاوم زحف جيوش النمل ) . ــ بين المشهد والبوح : تدور كثير من السرديات القصيرة بين رحى التقاط مشهد والبوح من خلاله أو البوح المجرد . واللجوء للمشهدية يكون ترسيخا لسلطان الحكاية ، بينما البوح يكون تكريسا لسلطان الفكر ووجهة النظر point of view وهذه المجموعة قليلا ما تلجأ للمشهدية ، ولا تتكأ عليها الكاتبة أسلوبا لتصوير معاناتها كأنثى فى هذه الحياة ، إنما تأتى المشهدية هنا خادمة لفكرة البوح ، فى قصة " غجرية " يترنح المشهد بين الواقعى والخيالى ، عارضا أنثى غجرية ترقص رقصة عنيفة ، امام حبيب أحبها ، وتزوج غيرها ، ويظل الاقتراب والبعد حتى ( ينهض ثائرا ، يدب الأرض معها يدور حولها ممسكا بخصرها ، يرتفع الضجيج ، تجذبه صاحبة الخاتم ، يدور حولها ) هنا صراع أنثوى على ذكر يرتفع الصراع ويشتد يحمل معنى النبل والعطاء حين ( يقع قلبه على الأرض ، تركع ، ترفع قلبه ، تضمه إلى صدرها بشوق ، تخرج قلبها ، تخيطهما معا ، تنسج منهما وشاحا ، تعطيه لصاحبة الخاتم ) القصة حدثية تعتمد لغة لاهثة ، [ حوالى 210 كلمة بها 56 فعل مضارع ، وفعلان ماضيان ] وذلك رغم الإطار المشهدى للقصة ، من خلال السرد المتسارع لحدث بدأ طبيعيا ، ثم تنحو به الكاتبة نحو الأسطورة بهدوء خادع ، إلا أن البوح كامن داخل إطار المشهد القصصى فى عناق سرمدى بين" الفكرى " و" الحدثى " لتمريرإحساس أنثوى بالغ وبليغ . إبراهيم محمد حمزة

No comments: