Saturday, August 22, 2009

علاء الأسواني ودوق داركور!!


علاء الأسواني ودوق داركور!!

تُرى ما أهمية التنويه عن المقدمة الجديدة على غلاف تلك الطبعة من كتاب علاء الأسواني"نيران صديقة" والذي ضم رواية قصيرة ومجموعة قصص؟هل ستمثل المقدمة عاملا اضافياً لرواج الكتاب الذي يتصدره اسم علاء الأسواني الغني عن الدعاية والتعريف؟
هل أُريد من التنويه عن المقدمة الجديدة أن تكون حافزا للقارئ كي يقرأ ويكتشف ما الذي دفع الكاتب ليفصل ماذكره مجملا في المقدمة السابقة والمدرجة أيضا في نفس الطبعة؟.
جاءت المقدمة الجديدة في ثلاثة أجزاء بدأها علاء الأسواني تماما كما بدأ رواية شكاجو من قبل، فهو بدأ شيكاجو بمقدمه سردية تاريخية عن أصل كلمة شيكاجو وذكر شيئا عن تاريخ المدينة كتوطئة للفضاء المكاني الذي ستدور عليه روايته . وفي مجموعته "نيران صديقة"بدأ بتاريخ وملابسات أول عرض سينيمائي في العالم وفي مصر ليوضح كيف مر وقت ليس بالقصير ليدرك المشاهد أن ما يراه أمامه معروضا لا يتعدى كونه صورة معكوسة على شاشة من قماش ، ليربط بين محاولة الالتباس التي كانت في ذهن المشاهد وقتها ، وحالة الالتباس التي تتولد في ذهن القارئ للأعمال الأدبية حين يسقط أحداثها على الكاتب نفسه وهذا ما أوضحه الأسواني بقوله "..لكن بعض قراء الأدب لا زالوا بكل أسف ،حتى اليوم ،يمارسون نفس الخلط بين الخيال والواقع ...هذه المشكلة عانيت منها كما عانى روائيون كثيرون.."
اشتمل الجزء الثاني والثالث من المقدمة على تاريخ شخصي لفترة من حياة الكاتب بعد عودته من بعثتة الدراسية في الولايات المتحدة في أواخر الثمانينات وبعض اللقطات من حياته كطبيب للأسنان نهارا ، ومن حياته الليلية كأديب أو ما أطلق عليها ""حياة الأديب الحرة المتخلصة تماما من كل القيود الاجتماعية والأحكام المسبقة ".
يعرفنا على محمود تريبل ؛الشخصية الحقيقية لبطل روايته "أوراق عصام عبد العاطي" ثم معاناته مع موظف لجنة القراءة الذي طلب منه كتابة استنكار للأفكار الواردة في روايته، والآخر الذي طلب حذف فصلين من الرواية .وفي نهاية المقدمة المفصلة والتوضيحية يقول الأسواني :
"هذا تاريخ الرواية التي بين يديك ،أحببت أن تعرفه قبل أن تبدأ القراءة ، وأنا واثق أن معظم القراء سيتفهمون أن الشخصيات الأدبية تمتلك وجودا مستقلا عن المؤلف ..أما الذين سيحاسبونني على آراء البطل ويعتبرونني مسئولا عنها ..فسوف أكرر عليهم باحترام ماقاله صاحب السينما الايطالي ديللو استرولو جويوما للمشاهدين :هذه الشاشة ليست سوى قطعة من القماش تنعكس عليها الصور......"
بعد مقدمة كتلك يحق لنا أن نسأل عما أضافته لنا كقراء وهل أثرت الطبعة الجديدة بالفعل؟
فعلاء الأسواني الذي يسخر من كتابته لاستنكار تلبية لطلب موظف لجنة القراءة في الماضي ، يعود اليوم وبكامل ارادته ليكتب صيغة بالغة الأناقة يتبرأ فيها من أفكار عصام عبد العاطي ،آخذا دور الأستاذ المعلم في توجيه القارئ الغبي الذي يمارس حقه الطبيعي في التوهم والتخيل والاسقاط لأي عمل أدبي .وبهذه المقدمة التعليمية الارشادية ، قطع علينا الكاتب متعة التخيل التي يعطيها الأدب بمحاكته للواقع مازجا إياه بالخيال ، لقد حرم القارئ فرصة التوهم اللذيذ الذي أشار إليه نفسه بقوله في المقدمة" إن جزءا كبيرا من متعة الأدب يرجع إلى أنه يمنحنا سلطة الخيال ،إننا نستمتع بتخيل أحداث الرواية وشخصياتها كما يحلو لنا وهذا التخيل لا يحدث بدون الإيهام".
وبذلك جاءت المقدمة كورقة أخيرة أنهت اللعبة مبكرا جدا وقطعت طريق الفكر لدى القارئ والذي من المفترض أن يكون حرا في تأويله لما يقرأ .فطالما خرج العمل الأدبي من بين يدي المؤلف وتم نشره ،فلا سلطان له بعد ذلك ليمارسه على المتلقي. أما علاء الأسواني فقد فعل تماما مثلما يفعل منتجو الأجهزة الكهربائية حين يرفقون كتيب الارشادات مع منتجاتهم موضحين طرق الاستخدام ، محذرين من الاستخدام الخاطئ وما يسببه من ضرر.
ثم تجيئ الرواية نفسها والتي بدأها الأسواني بشئ من التفكيك أو الهدم لمقولة مصطفى كامل كمثال للمسلمات والأفكار المقولبة سابقة التجهيز . أي وكأنه يقول للقارئ اخلع عنك أفكارك السابقة ، فأنت في حقبة جديدة لا ينفع معها المقولات السابقة ولا القالب الواحد الذي يجب أن نكون جميعا على نفس مقاسه .أي أن الرواية بدأت من نقطة اللاعودة أو من النهاية فعلا لتبدأ بعدها نقطة خروج العفاريت الصغيرة .
وإذا ما قرأنا الجزء الأول للرواية نتذكر على الفور دوق داركور الفرنسي الذي زار مصر ذات شتاء كتب بعده كتابا عام 1893هاجم فيه مصر شعبا وعادات ودين وكل شيء ،هذا الكتاب الذي استفز قاسم أمين وألزمه الفراش عشرة أيام قام بعدها ليكتب بالفرنسية كتابا يرد فيه على آراء دوق داركور ويفندها واحدا تلو الآخر. يتحدث عصام عبد العاطي بلسان دوق داركور ، ويجيء دفاع صديقته الألمانية-المتوهمة - كمتحدثة بلسان قاسم أمين وهي تتحدث بافتتان عن مصر.فهل هناك مغزى من تناص الرؤى ما بين دوق داركور وما جاء في الرواية ؟؟؟ فدوق داركور كتب عن مصر بعد زيارة لها، وكتب علاء الأسواني "أوراق عصام عبد العاطي"بعد عودته من الولايات المتحدة .
وكما هو معروف أن عنوان أي عمل أدبي يمثل أهمية كوحدة نصية موازية للعمل الأدبي يأتي عن وعي الكاتب بأهميته كعتبة أولى لعمله الأدبي ، وفي كون العنوان أول ما يرى القارئ وآخر ما يكتب الكاتب .
ولذلك إذا أرجعنا العنوان "نيران صديقة"كدلالة ما يريدها الكاتب ،خاصة أن العنوان لا تحمله أي من الأعمال المدرجة بالكتاب، نجد أن علاء الأسواني بالعنوان يشير إلى القسم الأول من روايته وكأنه تحذير لطيف يقول فيه لا تخشوا شيئا فالنيران التي سأفتحها عليكم بعد قليل هي نيران محلية الصنع ،وطنية المنشأ ،فهي نيران صديقة ليست أجنبية مثل نيران الدوق الفرنسي . فمن غير المقبول أن يأتي النقد من غربي مثل الدوق الذي لم ير غير الأطفال "ذوي الأطراف الهشة " و"البطون المتكورة" ولكن أوراق عصام عبد العاطي مصرية مائة بالمائة فلا ضير إذا .وعندما يقول عصام عبد العاطي " كان الفراعنة أمة عظيمة حقا ولكن ما علاقتنا نحن بهم؟ نحن نتاج مشوش فاسد لاختلاط جنود الفاتحين بالسبايا من الرعايا المهزومة" ، يتبادر إلى ذهننا فورا مقولة الدوق الذي رد عليه قاسم أمين قائلا" ..ومن المؤكد أن المصريين المسلمين الذين نراهم في المدن وخاصة في الريف ،ليسوا من نسل العرب ،وليسوا عربا إلا باللغة والدين ..."
وكلما قرانا نجد تناصا فكريا يكاد يكون كاملا بين "عصام عبد العاطي" وما كتبه دوق داركور ورد عليه قاسم أمين في كتاب "المصريون "بالفرنسية عام1894. أما عصام عبد العاطي فقد عاقبه علاء الأسواني بالجنون كرد عاقل على تمرده على ثقافة النسخة الواحدة المكررة للأفكار سابقة التجهيز

مجلة أكتوبر العدد1713 .

No comments: